الأحد، 7 أغسطس 2016

بحث عن تطور المقابر في مصر القديمه

فى البدايه يمكننا القول ان كل المنجزات الحضاريه لمصر القديمه كانت بهدف خدمه الدين . او عن طريق سعى المصرى القديم لخدمه الدين .
فمثلا: من خلال ايمان المصرى القديم بعقيده البعث والخلود سعى الى حفظ جسد الميت سليما لكى يضمن له البعث والخلود وفى اطار محاولاته المتعدده لحفظ الجسد حقق المصرى الاكتشافات العظيمه فى مجال الطب واستطاع ان يتوصل الى التحنيط و الذى هو فى حد ذاته يخدم عده مجالات كالطب والكيمياء. ومن هنا يمكننا ان نتفق ان حضاره المصرى القديم كان هدفها الأسمى والأول خدمه الدين والعقيده .
وكما أهتم المصرى القديم بحفظ جسده من أجل البعث كذلك اهتم المصرى القديم بتوفير مكان لائق لكى يحفظ به جسده .
فظهرت عده محاولات لدفن الميت وتطورت من حفره بسيطه الى مقابر غايه فى الروعه والجمال منحوته فى الصخر ومزينه بنقوش ورسومات تنبض بالحياه .

1 - وكانت أول أشكال المقابر فى مصر عباره عن حفره بسيطه فى رمال الصحراء وكان يوضع بها الميت فى وضع القرفصاء وهى وضعيه الجنين فكانوا يعتقدون ان الانسان كما جاء للحياه كذلك يخرج منها وكان الجسد يتم دفنه فى الرمال لكى تقوم الرمال بتجفيف الجسد وحفظه بصوره جيده .
وتدفن معه أوانى بسيطه تحتوى على بعض الطعام والشراب وكانت احيانا تدفن معه بعض الحلى والمقتنيات الثمينه  وتطور شكل المقبره من حفره بسيطه الى حفره لها اشكال هندسيه منظمه (شكل بيضاوى أو شكل مستطيل) وظل هذا الوضع خلال عصور ماقبل التاريخ ختى اوائل العصر العتيق .

2 - فى بدايات العصر العتيق حدث تطورا ملحوظا فى شكل المقابر واتخذت المقبرة الملكيه شكل مصطبه: وهو اصطلاح للجزء العلوى للمقبره فوق الارض ثم يأتى بناء مستطيل تتسع جدرانه من أسفل والبئر: هو أداة الوصول إلي الجزء السفلي الذي ينتهي بحجرتين واحدة للأساس وأخري للدفن وكان هذا البناء من الطوب اللبن ... اختلف بئر الدفن ففي البداية كان بئر الدفن عموديا وبعدها منحدرا ثم درج هابط الذي يؤدي إلي حجرة الدفن توضع لوحتان جنائزيتان من الحجر يعرفان اسم صاحب المقبرة وظهر ذلك فى عهد الملك دن .

3 - ثم حدثت طفره كبيره وهائله فى فكره بناء المقابر فتحولت من مجرد مصاطب بسيطه من الطوب اللبن الى هرم مدرج من الحجر الجيرى وكان هذا التحول الكبير على يد المهندس العبقرى ايموحتب والذى لم يكتفى بمجرد تطوير المقبره ووضع اللبنه الأولى للشكل الهرمى ولكنه قام ببناء مجموعه هرميه كامله للملك زوسر فى سقاره  وبالتالى اصبحت فكره المقبره اكثر تعقيدا .

4 - وكانت المرحلة الثانيه للوصول للشكل الهرمى الكامل هي تلك التي جرت على أرض ميدوم )مركز الواسطي، محافظة بني سويف) إلى الجنوب من دهشور. ينسب هذا الهرم الذي يعرف باسم "الهرم الناقص" للملك "حونى" آخر ملوك الأسرة الثالثة، والذي توفي قبل أن يتمكن من إكماله، فأكمله الملك سنفرو، مؤسس الأسرة الرابعة .وخطا المعماري خطوة هامة في هذا الهرم، تمثلت في كساء الإضافات بالحجر الجيري، لتبدو المنشأة وكأنها هرم كامل. وقد سقط هذا الكساء بمرور الزمن، ولهذا سمي بـ"الهرم الناقص".ويتميز هرم "حوني" بأنه يضم أقدم مجموعة هرمية تقليدية، تلك التي تتكون من الهرم، والمعبد الجنائزي، ومعبد الوادي، ويربط بينهما الطريق الصاعد .

5 - وشهدت منطقة دهشور الواقعة إلى الجنوب من سقارة الخطوه الثالثه  نحو الوصول للشكل الهرمي الكامل، تمثلت في الهرم الذي شيد في عهد الملك سنفرو (أول ملوك الأسرة الرابعة)، والذي يعرف باسم الهرم المنحني . كان المهندس المعماري يهدف بعد التجارب الطويلة السابقة أن يصل بالمقبرة للشكل الهرمي الكامل، والواضح أنه بدأ بزاوية اتضح (بعد أن بدأ العمل) أنها تصل بالهرم إلى ارتفاع شاهق لا تتحمله أساسات المنشأة من فرط ثقل الأحجار، وقد ينتج عن ذلك تأثر سقف الحجرات، والممرات في داخل الهرم، فكان لا مفر من تغيير زاوية البناء ضماناً لسلامة المنشأة، لهذا بدا الهرم منكسراً وكأنه مصطبة يعلوها هرم صغيرً وقد وصل ارتفاعه إلى حوالي 100 متراً .

6 - وكذلك شهدت دهشور الخطوه الرابعه للوصول للشكل الهرمى الكامل وأصبح الهرم الشمالى للملك سنفرو  أول هرم كامل فى تاريخ عماره الاهرام فى مصر و يعرف هذا الهرم أيضا بالهرم الأحمر إشارة إلى أن لون أحجاره يميل إلى اللون الأحمر، وهي مقطوعة من محاجر الجبل الأحمر بالعباسية. وقد بلغ ارتفاع الهرم نحو 99 م .

7 - وكانت الخطوه الخامسه والاخيره للوصول للشكل الهرمى هى فى الاسره الرابعه حيث اختار الملك خوفو (الذي خلف والده سنفرو) هضبة الجيزة ليشيد فيها هرمه ومجموعته الهرمية، واستفاد مهندس الهرم "حم أيونو" من تجارب سابقيه، ليصل بالهرم الأكبر إلى إبداع معماري وهندسي لم يتم الوصول اليه لا من قبل ولا من بعد . وتتسع دائرة الإبداع، ويشيد الهرم على مساحة تبلغ حوالي 13 فداناً، ويصل ارتفاعه إلى 146مترا (أصبحت الآن 138م بفعل عوامل التعرية)، ويشارك في بنائه عشرات الآلاف من العمال، ، ويضم ثلاث حجرات دفن، ومدخل في واجهته الشمالية، وممرين يعتبر الكبير منهما (البهو الكبير)، والذي يصل طوله إلى نحو 47 متراً آيةً في فن العمارة .

8 - واستمرت فكره بناء الهرم خلال الدوله القديمه فنرى فى نهاية الأسرة الخامسة، في عهد الملك أوناس، فكره الشكل الهرمى و تسجل لأول مرة في الأهرامات المصرية (في الحجرات الداخلية) تلك النصوص الهيروغليفية التي تعرف بنصوص الأهرام (هرم أوناس). وتستمر الأهرامات في الأسرة السادسة في سقارة فقيرة في بنائها ، ولكنها غنية بنصوص الأهرام .

9 - وفى الدوله الوسطى ظهر تطور جديد وفريد فى شكل المقبره فى عهد الملك منتوحتب نب حبت رع فقد خرج المهندسون علينا بتصميم جديد يجمع بين المعبد والمقبرة في مسطح واحد، أحدهما يعلو الآخر، ونفذوه في منطقة الدير ، ففي قلب مسطح المعبد شيدوا هرماً ليضم جسد الملك. وفى عهد ملوك الأسرة الثانية عشرشيدوا أهراماتهم. وجاءت أهراماتهم صغيرة في أحجامها، مشيدة من الطوب اللبن، مكسوة بالحجر الجيري أحياناً، وتعلوها هريمات من الحجر، ولكنها في نفس الوقت جاءت غنية في ممراتها الداخلية، وحجرات الدفن فيها .

10 - لقد أدرك ملوك الدولة الحديثة ومهندسو هذا العصر أن مقابر ملوكهم السابقين  قد تعرضت للنهب وأدركوا كذلك أنه إذا كانت الأهرامات ترتبط بإله الشمس لذي تصوروا أنه يمكن الارتباط به في الأخره  من خلال شكل هرمي يبدو كأشعة الشمس فإنها على الجانب الآخر لم تنجح في الحفاظ على أجسادهم آمنة من عبث العابثين. . واهتدوا إلى حل جديد يحقق لهم الصلة بإله الشمس. وهو اختيار موقع جبلي موحش بعيداً عن كل مظاهر الحياة وكذلك الفصل بين المقبرة والمعبد، حيث أن الربط يحدد موقع المقبرة، ومن ثم يسهل الأمر للصوص وكذلك ان تكون المقابر فى منطقة تتسم بالجفاف. بالإضافة إلى سهولة تضليل اللصوص بأن يهيلوا الأحجار الطبيعية على مدخل المقبرة التي تمتد في عمق الجبل، ليبدو الجبل وكأن يد الإنسان لم تمتد إليه .

11 - ما عن الحرص على التعبير عن عبادتهم لإلهة الشمس فقد تحقق من خلال تسجيل أنشودة للشمس في معظم الحالات على جدران الممر الأول للمقبرة عقب المدخل مباشرة، محافظين بذلك على التوازن بين الضرورة الملحة لسلامة المومياء ضماناً للخلود في العالم الآخر، وبين الاستمرار في علاقاتهم في عالمهم الآخر بإله الشمس .

12 - ورغم كل وسائل التأمين التي اتخذها المصريون لحماية مقابرهم، فقد سرقت جميعها، باستثناء مقبرة الملك توت عنخ آمون التي غابت عن أيدي اللصوص، ليحتفظ لنا بها القدر، لتعلن لنا بوضوح كيف كانت مقابر الملوك والملكات غنية بكل أنواع الأثاث الجنزي الذي يعبر عن إبداع فني متميز، وعن ثراء نعمت به مصر في عهد الدولة الحديثة .

13 - المراجع : -

أ - كتاب مختارات من اثار الدوله القديمه والوسطى /د. محمد عبد الحميد شيمى .

ب - كتاب معجزه الهرم الأكبر / د.زاهى حواس .

الثلاثاء، 2 أغسطس 2016

بحث عن الملك مينا ( نارمر ، نعرمر )

1 - التسميه : -
اسم نارمر يمثل صوتياً بالرموز الهيروغليفية "نعر" أي قرموط و "مر" أي مطرقة (أو قادوم). وتلك الرموز يمكن نطقها كذلك كما يلي: "نارمرو" أو "مرونار"، إلا أن العرف جرى على أن تنطق "نارمر". والاسم يعني: القرموط الغاضب .

2 - حكمه : -
لوحة نارمر الشهيرة، المكتشفة في 1898 في هيراكونپوليس، تظهر نارمر حاملاً شعاري مصر العليا (الصعيد) ومصر السفلى (الدلتا)، مما عزز نظرية أنه كان موحد المملكتين. تقليدياً يعزى هذا الإنجاز للملك مينا، وهذا ما تذكره قائمة مانيتو بجانب كونه أول الملوك الفراعنة. بعض العلماء يعتقدون أن مينا ونارمر هما نفس الشخص، بينما يعتقد علماء آخرون أن مينا هو حورس آخا وأنه ورث حكم مصر التي وحدها نارمر من قَبْلِه. علماء آخرون يعتقدون أن نارمر بدء عملية التوحيد وإما أنه لم ينجح أو نجح جزئياً؛ تاركاً إكمال المهمة لمينا. وهناك نظرية أخرى مساوية في الإحتمال وهي أن نارمر أعقب مباشرة الملك الذي وحد مصر (والذي ربما كان الملك عقرب الذي وُجد اسمه على صولجان في هيراكونپوليس)، ومن ثم اتخذ نفس رموز توحيد الشطرين التي كانت مستعملة قبله لمدة جيل. ويجب ملاحظة أنه بينما كان هناك الكثير من الأدلة الملموسة على وجود فرعون اسمه نارمر، فلا يوجد أي دليل عدى قائمة مانيتو والأسطورة على وجود الملك مينا. قائمة الملوك المكتشفة حديثاً في مقبرتي دن و قاعا تذكر نارمر كمؤسس هذه الأسرة المالكة .

3 - تأسيس الأسرة الأولى : -
ومؤسسها بعض الخلاف بين المتخصصين من الباحثين في تلك الفترة الزمنية من تاريخ مصر. وكانت الإشكالية قديماً من هو الملك "مِـن" (مينا)، وهل هو الملك القرب الثاني، أم الملك نعرمر، أم الملك حور عحا.
وكان بعض المتخصصين قد وحدوا الملك مينا مع الملك التاريخي عحا؛ ولكن حتى زمن قريب - وقبل اكتشافات أبيدوس بالآونة الأخيرة- تم توحيد مينا مع الملك التاريخي نعرمر؛ وقد رجحوا ذلك في ضوء بعض الاكتشافات الحديثة.
إلا أنه - من خلال طبعة ختم طيني من مقبرة بسقارة تعود إلى عهد الملك قاعا، آخر ملوك الأسرة الأولى - تأكد حديثاً أن الملك مينا هو ذاته الملك نعرمر، بل أنه مؤسس ورأس الأسرة الأولى؛ ثم خلفه في الحكم على الترتيب الملوك؛ حور عحا، ودجر، ودجت، ودن ومرني عت، وعنجي إب، وسمر خت، و[[قاعاي]. وكان ذلك في سياق تكرار أسماء هؤلاء الملوك مرتين، تارة في سجل علوي يبدأ باسم الملك نعرمر، وينتهى باسم الملك قاعا؛ وتارة أخرى باسم الملك مينا، وينتهى باسم الملك قاعا.
كما يؤكد المصدر سالف الذكر أثر آخر، ألا وهو طبعة ختم من مقبرة الملك دن بأبيدوس، عليه أسماء ملوك الأسرة الأولى على الترتيب: نعرمر، حور عحا، دجر، دجت، دن، ثم مرني عت أم الملك حور عحا. وحتى وقت قريب لم يكن معروفاً ما إذا كان اختيار منف كعاصمة للأسرة الأولى قد تم في عهد الملك نعرمر، أم أن الأمر قد جرى في عهد لاحق. وقد اعتقد البعض أنه تم في عهد الملك حور عحا تبعاً لافتراض دراير ومن تبعه في رأيه بأن هذا الملك الأخير هو مؤسس الأسرة الأولى .
والمعروف أن الرحالة الإغريقى هيرودوت قد نسب إلى الملك مينا، أمراً بإقامة العاصمة التى عُرفت باسم إنب-حدج، أى (الجدار الأبيض)، إشارة إلى أن سورها كان مبنياً بالطوب اللبن ثم لُون باللون الأبيض؛ أو أنه كان مشيداً بالحجر الجيري الأبيض. وهذه المدينة هى التى عُرفت فيما بعد باسم "من- نفر" (ثابت وجميل)، والتى حُورت إلى "منف"، ثم: "ميت- رهنت" التى حُوِّرت إلى "ميت رهينة"، وهو الاسم الحالي للقرية التى تقوم على أطلال هذه المدينة .
وتبعاً لما أثبتته المصادر المصرية التى أشرنا إليها بأن الملك نعرمر هو ذاته الملك مينا، وأنه رأس ومؤسس الأسرة الأولى؛ فإنه يكون هو أيضاً نفس الملك الذى أسس العاصمة إنب- حچ، والتى اختار لها موقعاً متوسطاً بين شمال البلاد وجنوبها .
أما عن الملك نعرمر ذاته، والذى يُعرف أيضاً باسم مينا، كما ورد في الآثار المصرية من عصر الدولة الحديثة، فهو الملك الذى خطت البلاد في عهده خطوات واسعة نحو الوحدة وتأسيس الأسرة الأولى؛ لذا فمن المهم أن نلقى مزيداً من الضوء على آثاره، سواء ما كُشف منها قديماً، أوما كُشف حديثاً، خاصة في مواقع الدلتا؛ مما يؤكد ما ذكرناه من انتشار ثقافة الصعيد في كافة أنحاء البلاد .

4 - أسلافه : -
زوجته يعتقد أنها كانت نعيث‌حوتپ، وكانت أميرة من مصر السفلى. وقد وجد اسمها في مقابر خلفاء نارمر المباشرين حور آحا ودجر، مما يدعو للإعتقاد أنها كانت أم أو زوجة حور آحا .

5 - أثاره : -
أ - الدلتا ومصر الوسطى : -
الحجرات B17 وB18 في أم القعب، مقبرة الملك نارمر...
ب - منشأة أبو عمر : -
الملك مينا ضمن جزء من موكب الكهنة الحاملين لأسماء وتماثيل ملوك الوحدة وأسلاف الملك رعمسيس الثاني من ملوك الأسرتين الثامنة عشرة والتاسعة عشرة (F.2c) فى موكب عيد المعبود مين بالواجهة الداخلية الشماليةالشرقية (F.2) للصالة الثانية (F) من معبد الرامسيوم .
عثر في منشأة أبو عمر على إناء يحمل اسمه، وقد ظهرت علامة (نعر) في شكل شرطة أفقية.[2]
تل ابراهيم عواد .
عثر أيضاً على كسرة إناء عليها اسم نعرمر. الملك مينا ضمن جزء من موكب الكهنة الحاملين لأسماء وتماثيل ملوك الوحدة وأسلاف الملك "رعمسيس الثانى" من ملوك الأسرتين الثامنة عشرة والتاسعة عشرة (F.2c) في موكب عيد المعبود مين بالواجهة الداخلية الشماليةالشرقية (F.2) للصالة الثانية (F) من معبد الرامسيوم .
ج - كفر حسن داود : -
أختام الملك نعرمر من مقبرة رقم (414) بطرخان.
عثر على إناء يحتمل قراءة اسم نعرمر عليه، ولكن لم يعثر على شواهد أخرى تعززه.
د - حلوان وطرة : -
عثر في مقبرة (1 H, 40 H) على قطعة من الفيانس المزجَّج تمثل سرخ (واجهة القصر الملكى) في رديم المقبرتين، وعليها العلامتان المكونتان لاسمه، وهما: نعر (سمكة القرموط)، ومر (الأزميل). وكذلك عثر على اسمه في موقع طرة القريب من حلوان .د
ھ - زاوية العريان : -
عثر على كسرة إناء عليها علامة سمكة القرموط نعـر.
طرخان
عثر على إناءين لسوائل من طرخان، عليهما اسم الملك كاملاً. عثر على إناء في مقبرة (1100)، يؤرخه "فان دن برنك" بعهد "نقادة" (III b1)، نقش عليه علامة نعر فقط من اسمه. وعثر أيضاً على ختم مُطعم بالمقبرة رقم (414)، مسجّل عليه اسمه. وكذا عثر في مقبرة رقم (412)، ومقبرة رقم (415) على أوانى سوائل تحمل اسمه وايضًا أختام الملك "نعرمر" من مقبرة رقم (414) بطرخان .
و - أبيدوس : -
إعادة تركيب لنص على طبعة ختم طينية من الجبانة الملكية بأبيدوس، به أسماء حكام الأسرة الأولى من نعرمر إلى دن بترتيبهم التاريخى (حوالى 3000 ق.م).
بطاقات من العاج تحتوى على اسم الملك نعرمر من الجبانة الملكية بأبيدوس.
بطاقات من العاج تحتوى على اسم الملك نعرمر من الجبانة الملكية بأبيدوس.
بطاقات من العاج تحتوى على اسم الملك نعرمر من الجبانة الملكية بأبيدوس.
آثار من الأبانوس للملك نارمر في أبيدوس.
آثار للملك نارمر والملك حور عحا في أبيدوس.
من الجبانة (B) في أبيدوس، عثر على أوانى سوائل من الألباستر تحمل اسم الملك نعرمر. وعثر على كسرات من أوانى من نفس الجبانة B)) تحمل اسمه.
من الجبانة (U) عثر على كسرات أوانى من الألباستر عليها اسمه. من المقبرة رقم (18) بالجبانة (B)، عثر على بطاقة عاجية سُجِّل اسمه ضمن نقوشها. إعادة تركيب لنص على طبعة ختم طينية من الجبانة الملكية بأبيدوس .
ل - هيراكونپوليس : -
صلاية نعرمر محفوظة بالطابق الأرض في المتحف المصري .
ظهرت أهمية هيراكونپوليس منذ زمن طويل، وذلك منذ أيام كويبل وجرين اللذين قاما بالحفر في المنطقة في سنوات 1897-1899؛ حيث استخرجا حشداً من الأدلة المتصلة بعصر التوحيد، وكان من أهمها آثار الملك نعرمر، ويأتى على رأسها (صِلاية "نعرمر") الشهيرة، والمحفوظة حالياً بالمتحف المصرى بالقاهرة .
صلاية الملك نعرمر
جعل الكثير من العلماء من صلاية نعرمر الشهيرة شاهداً على المرحلة الثانية من عهد الملك، وهى المرحلة التى استمتع فيها بنتائج جهوده وجهود أسلافه بعد أن حقق وحدة البلاد الكاملة تحت حكمه، وسجل عليها آخر مراحل كفاحه ونتائجها .
إلا أنه عند مناقشة عملية التوحيد، يميل بعض الباحثين (من أمثال فرانشسكو رافائيل، وجيفرى سبنسر، و"والتر ب. إمرى") إلى عدم اعتبار صلاية نعرمر هى المصدر الرئيسى الذى يشهد على التوحيد الكامل بين مصر العليا والسفلى؛ بل يميلون أكثر إلى النظر إلى الموضوع المسجل عليها على أنه حفل تذكارى لنصر عسكرى، أو بالأحرى أنه موضوع شعائرى يهدف إلى تعزيز دور الملك من خلال تصويره في هذا المشهد (وليس بالضرورة أنه سجل في فترة حكم نعرمر)، إن لم يكن رمزاً يشير إلى عقيدة القوة وعبادة الملك .
ويذكر جيفرى سبنسر أن اعتبار صلاية نعرمر السجل الرئيسى للنصر النهائى الذى حققه نعرمر على الشمال - ربما يكون هو التفسير السليم، غير أن الضرورة لا تقتضيه، وخاصة في ضوء تزايد الأدلة على إنجاز التوحيد بطريقة تدريجية استغرقت أكثر من مائتى عام، وهو ما يجعلنا نستبعد فكرة وقوع معركة فردية حاسمة .
كما يذكر والتر ب. إمرى أنه لا يمكن أن يكون هناك شك في أن نعرمر قد أصاب الوجه البحرى بهزائم عسكرية منكرة، وله بحقِّ النصر أن ينتحل لشخصه شعارات الحكم التى كانت لخصمه المهزوم؛ ولكن هذا لا يجعله بالضرورة الحاكم الشرعى للوجه البحرى. وصلاية "نعرمر" من الصلايات الكاملة النادرة، وقد اشتركت نقوش وجهيها في مناظر معينة، واختلفت في مناظر أخرى. فظهر أعلى الجزء العلوى لكل منهما اسم نعرمر داخل إطار مستطيل يرمز إلى واجهة قصره، ويسمَّى عادة باسمه المصرى القديم "سرخ". وظهر على جانبى الاسم (على الوجهين) رأسان للمعبودة حتحور مثلاها بوجه سيدة مليحة بقرنى البقرة وأذنيها. وكانت هذه الحالة من المرات الأولى التى صوّر المصريون فيها ربَّاتِهم بصورة تجمع بين الهيئتين البشرية والحيوانية في وضوح .
فعلى الوجه الأول نرى الملك نعرمر واقفاً وعلى رأسه تاج الجنوب، ويقبض بإحدى يديه على ناصية عدو له يركع أمامـه، ويمسك باليد الأخرى دبُّوس قتال، مما يرمز إلى انتصاره على حكام الدلتا. وقد أصبح هذا المنظر تقليداً فنياً متبعاً يرمز للنصر منذ مطلع الأسرات المصرية وحتى ختامها .
وبجوار العدو مدونة هيروغليفية تشير إلى أملاك الخطاف، والمعروفة اصطلاحاً في النصوص الجغرافية بالإقليم السابع من أقاليم الدلتا. ومن فوقها، فإن الشكل البيضاوى (وهو العلامة الدالة على الأرض)يشير أيضاً إلى الدلتا، وامتداد أحد طرفيه (المواجه للفرعون) يصور رأس العدو المهزوم. وتنبثق من علامة الأرض ست سيقان لنبات البردى، تشكل أَجَمةً يعلوها صقر،يمسك في أحد مخلابيه (وقد تحول إلى يد) حبلاً مثبتاً (بحلقة ؟) في أنف الأسير .
وتحت الخط الدال على الأرضية التى يقف فرعون فوقها، نشاهدشخصين يسبحان. وربما كانت العلامة الغريبة تشير إلى أصولهما، ولكن وضعهما على هذا النحو يؤكد أن الملك المنتصر يدوسهما بقدميه. وأخيراً، وخلف الملك، وعند نفس الخط الدال على الأرضية، يقف حامل نعلى الملك بحجم مصغر ممسكاً بإبريق، ويبدو أنه يمهد لطقوس التطهر .
أما على الوجه الآخر من الصلاية، فقد مُثل الملك بتاج الشمال، وهو يحتفل بانتصاره على سكان الشمال، حيث صور الملك ويتبعه ساقيه وحامل النعال، ويتقدمه كبير أعوانه (لعله الوزير)، ثم أربعة من حملة ألوية المقاطعات، متجهين صوب معبد حور، حيث قتلى الأعداء مغلولة أيديهم، وقد سقطت رؤوسهم المقطوعة بين أرجلهم .
وفى وسط الصلاية حيوانان خرافيان متعانقان، وقد أمسك بمقودهما رجلان رمزاً لقيادة القطرين وقبض زمامهما؛ حيث شكلت الأعناق الطويلة المتعانقة بؤرةَ الصلاية. وفى المنظر الأسفل يبدو الملك بهيئة الثور مندفعاً بقوته نحو حصن اقتحم أسواره فحطمها، وسحق من اعترض طريقة في صورة رجل طريح يطأه بأقدامه .
رأس مقمعة نعرمر
رأس مقمعة نعرمر من الحجر الجيري المطلي .
حفل تتويج نارمر بالتاج الأحمر .
وتعبر نقوش هذه المقمعة في مضمونها عن استقرار عرش البلاد في عهد نعرمر. وهى رأس كبيرة من الحجر الجيري وجدت في معبد نخن، ظهر الملك عليها وهو يعتلى عرشاً في مظلة عالية أقيمت فوق منصة مرتفعة ذات تسع درجات، ورفع مقدمة سقفها صاريان رشيقان .
وقد توج نعرمر في الحفل بالتاج الأحمر تأكيداً على شرعية سيطرته على الدلتا، وأمسك مَذبَّة تقليدية، وارتدى عباءة كاسية شملته من أعلى الرقبة حتى أخمص القدمين، وأصبح خلفاؤه يرتدونها في أعياد يوبيلهم، وفى مناسبات تقليدية تختلف عن المناسبات التى يرتدون فيها النقبة القصيرة .
وقد ظهر من حوله مجموعة من حَمَلة ألويته، وحَمَلة المراوح الكبيرة، وحملة المحفة، فضلاً عن كاتبه، وحامل نعليه ومطهر قدميه. وقد أشـرف عليه من عَلٍٍ عقابٌ رمزاًللمعبودة "نخبت" التى نشرت جناحيها فوق مظلته وكأنها تحميها؛ وظهر إلى جانبها اسمه داخل "سرخ" اعتلاه الصقر (رمز المعبود "حور") كأنه يحميه . وواجهت "نعرمر" مجموعة أخرى، امتازت منها شخصية كبيرة ارتدت عباءة كاسية، وجلست في محفَّة مسقوفة فوق أريكة فخمة شُكِّلت أرجلها الخشبية على هيئة سيقان الثور؛ وظهر إلى جانبها ثلاثة من خاصة المصريين يخُبُّون خَبًّا خفيفاً، وأيديهم معقودة فوق صدورهم داخل ساحة حُددت نهايتُها بأسوار من اللبن على شكل الأهِلَّة. وظهرت أسفلهم أعداد لآلاف مؤلفة من الثيران (400 ألف)، والماعز (1.422.000)، والآدميين (120 ألفاً)، عبَّر الفنان عنها برموز حسابية بسيطة دلت على معرفة قومه بعلامات مفردة تدلعلى أرقام (الألف، والعشرة آلاف، والمائة ألف، والألف ألف)، وذلك في سهولة نسبية لم تهتد الشعوب القديمة إلى مثلها إلا بعد عشرات القرون. أما عن التفسير العام لمناظر المقمعة، فقد تعددت آراء العلماء، فهناك من رأى أنها تصور في مجموعها حفل زواج نعرمر من أميرة من الدلتا جلست أمامه في محفتها؛ بينما هناك من رأى أنها تمثل مرحلة من مراحل احتفال الملك بالعيد الثلاثينى لاعتلائه العرش، وهو العيد المسمى "حب سد" بمعنى: "عيد النهاية"، أى نهاية فترة طويلة يستعيد الملك في ختامها نشاطه، ويؤكد قدرته على مواصلة الحكم بطقوس وحركات معينة يؤديها خلال حفل العيد .
استطاع الملك مينا حاكم مملكة الجنوب، توحيد الوجهين البحري مع القبلي حوالى عام 3200 ق.م، وكون لمصر كلها حكومة مركزية قوية، وأصبح أول حاكم يحمل عدة ألقاب مثل: ملك الأرضين، صاحب التاجين، نسر الجنوب، ثعبان الشمال، وكان كل ذلك تمجيداً لما قام به هذا البطل العظيم من أعمال.
 وبذلك أصبح الملك "مينا" مؤسس أول أسرة حاكمة فى تاريخ مصر الفرعونية، بل فى تاريخ العالم كله، ولبس التاج المزدوج لمملكتي الشمال والجنوب .
م - مدينة منف : -
أدرك الملك "مينا" ضرورة بناء مدينة متوسطة الموقع، يستطيع منها الإشراف على الوجهين القبلى والبحري، فقام بتأسيس مدينة جديدة على الشاطئ الغربي للنيل مكان قرية "ميت رهينة" الحالية بمحافظة الجيزة، وقد كانت في بادئ الأمر قلعة حربية محاطة بسور أبيض، أراد بها صاحبها أن يحصن ويحمى المملكة من غارات أصحاب الشمال، وكان "مينا" قد أسماها "نفر" أى الميناء الجميل، وفيما بعد سميت باسم "ممفيس" زمن اليونان، ثم سماها العرب "منف"، وقد أصبحت مدينة "منف" عاصمة لمصر كلها فى عهد الدولة القديمة حتى نهاية الأسرة السادسة .
ن - لوحة نارمر : -
تم تسجيل انتصارات الملك مينا على مملكة الشمال وتوحيده البلاد، على وجهى لوحة تعرف باسم "لوحة نارمر"، والتي كرست للملك وتم الكشف عنها عام 1897، ويرجح المؤرخون أن "نارمر" هو "مينا"، وقد وجدت هذه اللوحة في مدينة "الكاب"، وهي موجودة حاليا بالمتحف المصري بالقاهرة، وللوحة وجهان، الوجه الأول يصور الملك "مينا" وهو يقبض على أسير من أهل الشمال، وعلى رأسه التاج الأبيض، بينما يصور الوجه الآخر الملك "مينا" وهو يحتفل بانتصاره على مملكة الشمال، وهو يلبس التاج الأحمر .
وقد أعقب هذا الانتصار الذي قام به مينا، تطور هائل في الحضارة المصرية وتبلور لمبادىء الحكومة المركزية، وكانت هذه الوحدة عاملا هاما في نهضة مصر الفرعونية في شتى نواحي الحياة .
و قد صور الجزء العلوى من وجهى الصلاية برأس البقرة حتحور تكتنف السرخ أو ما يسمى بواجهة القصر الملكى (و كان مسورا تنظمه مشكاوات) يحوى الأسم الحورى للملك (أى لقب الإله حورس)، و قد كتب اسم نارمر (نعرمر) من مقطعين تعبر عنهما من علامات الكتابة المصرية القديمة (الخط الهيروغليفى) سمكة القرموطع نعرع و الأزميلع مرع .
و قد تتوجه بعض الأراء الى أن السمكة ما هى إلا نوع من أنواع سمك البحر الأحمر .
و قد مثل الملك على أحد وجهى الصلاية بحجم يستغرق اغلب المساحة بالتاج الأبيض لمملكة الجنوب و نقبة قصيرة مزخرفة يتدلى من خلفها ذيل ثور و من ورائه ساقيه و حامل نعليه إذ يهم الملك بمقمعته المرفوعة فى كفه بضرب اسير راكع يمثل أهل الدلتا, و قد أصبح هذا المنظر تقليدا فنيا متبعا يرمز للنصر منذ مطلع الأسرات المصرية حتى ختامها .
و من رموز الوحدة كذلك ما صور من أرض زاخرة بالنبات يخرج من حافتها رأس محزوم بحبل يمسك به بقبضته البشرية صقر الحر(و هو هنا الإله حورس) قائما على الأرض بنباتها تعبيرا عن هيمنة الملك على الوجه البحرى,أم المنظر أسفل الصلاية ففيه قتيلان من الأعداء سجل مع كل منهما اسم مدينته .

و على الوجه الآخر للصلاية صور موكب النصر حيث نجد الملك هنا بتاج مملكة الدلتا الأحمر يتبعه ساقيه و حامل النعال و يتقدمه كبير أعوانه و لعله الوزير ثم أربعة من حملة ألوية المقاطعات متجهين صوب معبد حور حيث قتلى العداء مغلولة أيديهم ساقطة رؤوسهم المقطوعة بين أرجلهم و فى وسط الصلاية حيونان خرافيان متعانقان و قد امسك بمقودهما رجلان رمزا لقيادة القطرين و قبض زمامهما حيث شكلت الأعناق الطويلة المتعانقة بؤرة الصلاية .
وفى المنظر أسفل الصلاية يبدو الملك كهيئة الثور مندفعا بقوته نحو حصن اقتحم اسواره فحطمها حيث سحق من اعترض طريقه فى صورة رجل طريح يطأه بأقدامه .
و تعد هذه الصلاية من أشهر آثار المتحف المصرى و من أهم الأعمال الفنية الممتازة و ذلك بما تحويه من مناظر و رسوم و رموز و شواهد تاريخية على وحدة البلاد السياسية منذ زهاء خمسة آلاف عام,كما تقوم شاهدا على نشاة الكتابة التصويرية الرسمية (الهيروغليفية ) فضلا عن اسس التقاليد الفنية التى سادت من بعد فى تصوير الملوك و الأرباب ,و هذه الصلاية الرائعة مصنوعة من الأردواز او الشست و يبلغ ارتفاعها 64 سم ، وعرضها 42 سم ،اما سمكها فحوالى 2.5 سم .و قد عثر عليها كيوبيل فى عام 1894 فى هيراكنوبوليس ( الكوم الأحمر بالقرب من ادفو)
و ترجع الى عهد الملك نارمر فترة توحيد البلاد حول عام 3000 ق.م .

5 - فترة حكم الملك مينا : -
حكم الملك مينا مصر مدة اثنين وستين عاما، حارب خلالها أعداء البلاد من الليبيين والنوبيين، وردهم مدحورين، وبعد معارك انتصاره نشر العدل والسلام في ربوع البلاد، ثم وحد فرقتها، مما جعل المصريين يتفانون في حبهم له .
وعندما بلغ حكمه الثلاثين عاما، تسابق الشعب في الاحتفال بهذا العيد الذي كانوا يسمونه عيد الحب، أو العيد الثلاثيني لحكمه .
 وقد بلغ من محبة الشعب لملكهم أن قبلوا مختارين تغيير تقليدهم بخلع الملك عندما يبلغ حكمه الثلاثين عاما، حتى لا يحكم البلاد إلا الشباب، ولكن وفاء منهم لمليكهم المحبوب "مينا" أجمع رأى الشعب على تجديد مدة حكمه، بأن تحايلوا على التقاليد القديمة وقالوا إنه يمكن بإحيائهم لهذا العيد أن يجددوا شباب الملك، ليعيد من أجلهم عهدا جديدا وحكما موفقا سعيدا.
وهكذا أقيمت معالم الأفراح في أرجاء البلاد، وانتقل الملك مينا من عاصمة ملكه إلى مدينة منف حيث تمت مراسيم العيد، بأن خرج في الصباح من قصره وهو يلبس لباسا خاصا، عبارة عن إزار من الكتان الأبيض يغطي جميع جسمه من الرقبة إلى القدمين، بحيث لا يظهر منه إلا يداه، واتخذ مكانه في محفة خشبية تحت مظلة تحجب عنه حرارة الشمس، واعتلى مقعدا رائع الزخرف، وما إن استقر الملك في جلسته حتى أشار بيده، فتقدم إليه بعض أبنائه الشبان وحملوا المحفة على أكتافهم، وكان هذا إيذانا بسير الموكب الملكي في طريقه إلى المعبد حيث يقام الاحتفال الرسمي .

6 - وفاة الملك : -
وقد انتهز الملك مينا فرصة إحدى زياراته لمدينة "منف" وعزم على قضاء بعض الوقت في ممارسة هوايته المفضلة لصيد الطيور والوحوش والأسماك في أحراش الدلتا القريبة من منف .
وفي أحد الأيام الصاحية الجميلة، اصطحب الملك بعض حرسه الخاص ونخبة من أصدقائه المقربين، وخرج للصيد والقنص كعادته، وأغراهم كثرة الصيد فتوغلوا في الأحراش، وابتعد الملك "مينا" عن رفاقه وحيدا, وهو يتبع أحد أفراس البحر المفترسة,وكان الملك جسورا شجاعا رغم كبر سنه، فأخذ يقترب من الفريسة شاهرا رمحه، محاولا قتلها بضربة واحدة، ولكنه أخطأ الهدف، فهجم عليه الفرس بوحشية وضراوة فقتله لساعته، بعد أن صرخ الملك صرخة مروعة تجاوبت أصداؤها بين جوانب الحرس، فأسرع الحرس والأصدقاء إلى مكان الحادث، ولكن بعد أن فات الأوان، ولكنهم قاموا بقتل فرس البحر، ثم نقلوا جثة الملك إلى قصره في مدينة "منف"، حيث قام الكهنة بتحنيط الجثة وتكفينها .
وقد استغرقت هذه العملية أكثر من سبعين يوما، ثم وضعوا الجثة في تابوت حجري نقل في احتفال مهيب إلى إحدى السفن الراسية في الميناء، التي أبحرت به من فورها إلى عاصمة الملك في الجنوب، وعندما وصلت الجثة إلى المدينة حملها الكهنة إلى المعبد، حيث اجتمع الشعب الحزين لتوديع ملكه المحبوب وبطله العظيم الوداع الأخير .
ثم نقلت الجثة في تابوتها الحجري على زحافة ملكية إلى الجبانة بالقرب من العاصمة عند "أبيدوس" ، حيث وضعت في القبر الذي أعده الملك لنفسه من قبل، بين تراتيل الكهنة وعويل النساء وحزن الشعب الذي فقد بموته بطلا مظفرا لا يعوض، وحاكما عظيما أعاد للبلاد وحدتها، وللأمة عزتها، ونشر بين أرجائها الأمن والسلام......


بحث عن الإسكندر الأكبر ( الإسكندر المقدوني ) الجزء الثاني

5 - شخصية الإسكندر : -
أ - عسكريته : -
يجمع المؤرخون على أن الإسكندر استحق لقب «الأكبر» أو «الكبير» عن جدارة، بسبب نجاحه العسكري منقطع النظير، فهو لم يخسر معركة قط، على الرغم من أن أغلب الجيوش التي قاتلها فاقت جيشه عددًا وعدّة،وذلك يعود إلى حسن استغلاله لأراضي الوقعات، ولتدريبه فيالق المشاة والخيالة على استخدام تكتيكات فذّة، ولاستراتيجياته الجسورة المقدامة، وللولاء الأعمى الذي كنّه له جنوده. سلّح الإسكندر فيالقه برماح طويلة تصل إلى 6 أمتار (20 قدمًا)، وكانت هذه الفيالق قد تدرّبت على القتال تدريبًا صارمًا منذ أيام فيليپ الثاني، حتى بلغت أعلى درجات كمال الجيوش في عصرها، فكان تحركها سريعًا وقدرتها على المناورة في أرض المعركة كبيرة، وقد استغل الإسكندر هذه الأمور ليتفوق على القوّات الفارسية الأكبر عددًا والأكثر تباينًا من كتائبه المتجانسة. أدرك الإسكندر أيضًا إمكانية وقوع شقاق في جيشه بسبب تنوعه العرقي واللغوي واختلاف أسلحته، فذلل هذه المشكلة عبر انخراطه شخصيًا في المعارك، بصفته ملك مقدوني.
عندما خاض الإسكندر أولى معاركه في آسيا، أي معركة نهر گرانیکوس، استخدم قسمًا صغيرًا من جيشه، تألّف من 13.000 من المشاة، و 5.000 فارس، على الأرجح، فيما بلغ عديد قوّات الفرس 40.000 جندي. جعل الإسكندر فيلق الرمّاحين يتمركز في الوسط، ووضع الرماة والفرسان على الجناحين، بحيث أصبح طول خط جيشه يتساوى مع خط الخيّآلة الفرس، بطول 3 كيلومترات (1.86 ميلاً) تقريبًا. أما الفرس فجعلوا مشاتهم يتمركزون خلف الخيّآلة، مما ضمن للإسكندر عدم إمكانيتهم الالتفاف حوله، وكان لفيالقه الأفضلية على فيالقهم، بسبب تسلحهم بالرماح الطويلة، التي جعلتهم ينالون من عدّة جنود فرس قبل أن يقتربوا منهم، فيما كان أولئك الأخيرين يحتاجون إلى الاقتراب من المقدونيين حتى يتمكنوا من طعنهم بسيوفهم ورماحهم القصيرة. كانت خسائر المقدونيين في هذه المعركة تافهة إذا ما قورنت بخسائر الفرس، وكل ذلك بفضل عبقرية الإسكندر العسكرية.
لجأ الإسكندر إلى نفس أسلوب نشر الجند عندما خاض أول معركة مع داريوش الثالث سنة 333 ق.م، أي معركة إسوس، فوضع فيلق الرمّاحين في الوسط، وقد تمكنوا من خرق صفوف الفرس مرة أخرىتولّى الإسكندر بنفسه قيادة الهجوم في الوسط، وتوجيه جيش العدو لصالحه وفي الموقعة الحاسمة مع الفرس في گوگميلا، قام داريوش بتجهيز عرباته بمناجل على عجلاتها حتى يتمكن من خرق صفوف الرمّاحين، وزوّد مشاته برماح طويلة شبيهة برماح المقدونيين، غير أن الإسكندر تيقن لخطته، فجعل رمّاحيه يصطفون بصفوف مزدوجة يتقدم وسطها إلى الأمام على شكل زاوية، وتتفرق عندما تتجه العربات نحوها، ثم تعود لتصطف مجددًا عند نهاية الهجوم وتتابع تقدمها. كان هذا التكتيك ناجحًا للغاية، فخرق وسط الجيش الفارسي، وأرغم الشاه وجنوده على الانسحاب.
كان الإسكندر عندما يواجه جيوشًا تستخدم أساليب قتال لم يعهدها قبلاً، كما في حالة جيوش آسيا الوسطى والهند، كان يجعل قوّاته تتبنى أسلوب قتال الخصم، ومثال ذلك ما فعله في باختريا وصغديا، فقد استخدم رماته من نشابين وحملة رماح خفيفة ليحولوا دون التفاف الأعداء من حولهم، فيما حشد خيالته في المركز. وعندما واجه فيالق الفيلة في الهند أثناء معركته مع الراجا پور، جعل جنوده يفتحون ثغرات في صفوفهم حتى تدخلها الفيلة، ومن ثم إغلاقها عليها وطعن الفيّالين برماحهم الطويلة وإسقاطهم من على ظهر دوابهم.
بـ - هيئته الخارجية : -
وصف المؤرخ الإغريقي پلوتارخ (قرابة 45–120 ميلادية) الهيئة الخارجية للإسكندر على الشكل التالي:
«1 أفضل من أخرج هيئة الإسكندر كان ليسيپوس في تماثيله، وكان هذا النحّات الوحيد الذي ائتمنه الإسكندر على صنع تماثيل تجسده، وذلك يعود إلى دقّة عمله. 2 أما عن تلك المواصفات التفصيلية التي حاول كثير من خلفائه وأصحابه من بعده أن يقلدوها، وبالتحديد: شكل عنقه، الذي كان يميل قليلاً ناحية اليسار، وبريق عيناه، فقد أتقنها هذا الفنان أشدّ الاتقان. 3 وبالنسبة لأپيليس، الذي رسمه وهو يحمل صاعقة زيوس، فإنه أخطأ في لون بشرته، فجعلها شديدة القتامة، فيما يقولون أنه كان أبيض البشرة، وأن بياضه تحوّل تدريجيًا إلى احمرار على صدره، ووجهه. 4 أضف إلى ذلك، كانت تفوح من جسده وفمه رائحة زكية، حتى أن كسوته كانت تعبق بها، وهذا ما قرأناه في ذكريات أرسطوکسنوس.
وصف المؤرخ آريان (لوسيوس فلاڤيوس آريانوس «زينفون»، ما بين عاميّ 86 و 160 ميلادية) الإسكندر بقوله: «ذاك القائد القوي، الوسيم والمتين، ذو العينان البراقتان، إحداهما سوداء كالليل والأخرى زرقاء كسماء النهار.
تقترح مجموعة أساطير «رومانسية الإسكندر» أن الأخير كان يُعاني من تغاير القزحية، وهي تلك الحالة التي يولد فيها المرء بلون مختلف لكل عين من عيناه، وفي حالة الإسكندر، كانت إحدى عيناه سوداء قاتمة والأخرى زرقاء. أورد المؤرخ البريطاني پيتر گرين وصفًا لهيئة الإسكندر الخارجية بالاستناد إلى المنحوتات التي تمثله وما قيل عنه في المخطوطات القديمة، فقال: «لم يكن الإسكندر بالرجل الجذّاب من ناحية المظهر. فقد كان بالغ القِصر حتى بالنسبة للمعيار المقدوني، وممتلئ الجسم مكتنز. كان ذو لحية غثة، وجعل نفسه مميزًا عن قادته عبر حلاقتها كاملةً. كان عنقه ملويًا بعض الشيء، لدرجة أنه كان يبدو وكأنه ينظر نحو الأعلى قليلاً. كشفت عيناه (إحداهما زرقاء، والأخرى بنية) عن خصال نديّة أنثوية. كما تميّز بمزاجه الحاد وصوته الأجش.
يفيد المؤرخون والكتّاب القدماء أن الإسكندر أعجب إعجابًا شديدًا بالمنحوتات والرسومات التي وضعها له ليسيپوس، لدرجة دفعته أن يمنع باقي النحّاتين والرسّامين من تصويره، معتبرًا أن لا عمل أكمل من عمل ليسيپوس. كان الأخير غالبًا ما يستخدم وضعية التعارض عند تصويره الإسكندر وغيره من الشخصيات، من شاكلة: المقشط، وهرمس، وإيروس. من الأسباب التي جعلت منحوتات هذا الرجل توصف على أنها الأكثر دقة، عدم ظهورها بالمظهر الصلب الجامد الخالي من الحياة.
جـ - خصاله : -
كان لأبويّ الإسكندر أثر كبير في تكوين شخصيته وخصاله. فكانت والدته واسعة الطموح، ودفعته إلى أن يُصدق بأن قدره غزو الإمبراطورية الفارسية، بل غرست فيه هذا الشعور يقول پلوتارخ أن هذا الطموح هو ما أبقى قلب الإسكندر وروحه شامخة وجادّة لا تعرف اليأس ولا الكلل طيلة تلك السنوات من الحملات والفتوحات. أما والده، فكان مثله الأعلى الذي يقتدي به في كل خطوة، إذ شبّ على رؤيته يفتح القلاع الحصينة والبلاد المنيعة سنة تلو الأخرى، ويُحقق النصر تلو الآخر، متجاهلاً ما أصيب به من جروح خطيرة صقلت علاقة الإسكندر بأبيه الجانب التنافسي في شخصه؛ فكان يشعر بحاجة ملحة لأن يتفوق عليه وأن يُغطي على إنجازاته، ولعلّ هذا ما يُفسّر الكثير من تصرفاته المتهورة على أرض المعركة. غم من ذلك، قلل من أهمية إنجازات الأخير أمام أصحابه.
يفيد پلوتارخ أن من أبرز خصال الإسكندر: طبعه الحاد وتهوره واندفاعه، وهي خصال كانت تلعب دورًا في اتخاذه لقراراته دون شك. يُعرف عن الإسكندر عناده الشديد وتصلبه في الرأي، لكنه على الرغم من ذلك كان متقبلاً لأي نقاش ومستمع لصاحبه طالما كان منطقيًا. وكان للإسكندر جانب آخر أكثر تعقلاً، فتميّز بتبصره، ومنطقيته، ويقظته، ومال نحو العلم ميلاً كبيرًا، وأحبّ الفلسفة،وكان ينكب على قراءة الكتب بنهم، ويتعلم ما جاء فيها من الحكمة ويحفظه بسرعة ويرجع الفضل في هذا إلى أرسطو، المعلّم الكبير، وقد ساهم ذكاء الإسكندر والجانب المتهور من شخصيته إلى حد بعيد بنجاحه كقائد عسكري. كان الإسكندر يتمتع بقدرة كبيرة على ضبط نفسه ومنعها من الانغماس في «ملذات الجسد»، وعلى العكس من ذلك، لم يكن بقادر على أن يضبط نفسه حينما يتعلق الأمر بالخمور، فظل يُعاقرها دون ضابط.
كان الإسكندر واسع المعرفة، أحب العلوم والفنون على حد سواء وقام برعايتها. غير أن اهتمامه بالرياضة والألعاب الأولمبية كان ضئيلاً، على العكس من والده، فكان يسعى دومًا وراء المُثل الهومرية العليا، ألا وهي الشرف والمجد. تمتع القائد المقدوني بجاذبية وقدرة خارقة على الإقناع، وقوة شخصية كبيرة، أي باللبنات التي من شأنها أن تجعل من أي شخص قائدًا عظيمًا، وأبرز ما يُظهر ويُثبت تمتعه بتلك الميزات الفريدة، أنه تمكن من توحيد مقدونيا وكامل بلاد اليونان والفرس في إمبراطورية واحدة، وأبقاها متماسكة رغم جمعها متناقضات كبيرة، وبعد وفاته لم يتمكن أحد من قادته من الحفاظ على تلك الوحدة، فتفرقت البلاد وتقسمت إلى بضعة دول مختلفة.
أصيب الإسكندر بحالة من الزور وجنون العظمة في آخر سنوات عمره، وبالأخص بعد وفاة صديقه المقرّب هفستیون، ويُحتمل أن سبب ذلك كان ما حققه من إجازات عظيمة خلال فترة قصيرة نسبيًا، وشعوره اللاوصفي بأنه يسعى وراء قدره، وإطراء رفاقه وإعجاب الناس حوله به. يمكن ملاحظة الحالة التي وصلها الإسكندر وما عاناه من أوهام في ما جاء بوصيته، التي يقول البعض أنها تنم عن رغبة في غزو العالم. يظهر بأن الإسكندر آمن بأنه إلهٌ، أو سعى على الأقل كي يُؤلّه نفسه، وسبب ذلك أن والدته دائمًا ما كانت، بحسب بعض المصادر، تصرّ على أنه ابن زيوس ويظهر بأن هذه القصة أكّدها له الكهنة المصريون في معبد آمون بواحة سيوة، فأخذ يدعو نفسه «ابن زيوس-آمون»، منذ ذاك الوقت وبعد أن اقتبس من الفرس عدّة عادات، أصرّ على أن يقوم رجاله وقادة جيشه بالسجود له وتقبيل يده، كما كان الفرس يفعلون مع ملكهم المؤلّه، غير أن المقدونيين رفضوا ذلك رفضًا قاطعًا،وقاطعوا قائدهم إلى أن قرر الرجوع عن تلك العادة. كان الإسكندر على الرغم من ذلك ملكًا واقعيًا، فهم الصعوبات التي يولدها حكم إمبراطورية تقطنها شعوب مختلفة الثقافات، بعضها عاش طيلة حياته في مملكة اعتُبر فيها الملك إلهًا يُعبد. وبناءً على ذلك، يمكن القول أنه يُحتمل ألا يكون قد أصيب بجنون العظمة، بل أن تصرفاته تلك كانت عبارة عن محاولة عملية لتوطيد دعائم حكمه، وإبقاء أراضي إمبراطوريته متماسكة موحدة.
د - علاقاته الشخصية وأقرانه : -
ارتبط الإسكندر بعلاقة وثيقة مع صديق عمره وخليله، المدعو هفستيون، وهو ابن أحد النبلاء المقدونيين وحارس شخصي وقائد في جيش الإسكندر. وبلغ من شدّة تقرّب الاثنان أن لعبت وفاة هفستيون دورًا في جعل صحة الإسكندر تتراجع بوتيرة أكبر وباختلال توازنه العقلي على الأرجح، خلال الشهور الأخيرة من حياته.
تنص المصادر التاريخية أن الإسكندر تزوّج بثلاثة نساء: رخسانة ابنة وخش آراد، أحد نبلاء باختريا، بعد أن رآها ووقع في حبها؛ وستاتیرا الثانية، ابنة الشاه داريوش الثالث، لدوافع سياسية محضة؛ وپروشات الثانية، صغرى بنات الشاه أردشیر الثالث، التي تزوجها في سوسة إلى جانب عدد من ضباطه الذين جعلهم يقترنون بأميرات فارسيات. يظهر بأن الإسكندر أنجب ابنان فقط: الإسكندر الرابع من رخسانة، وهرقل المقدوني من أمته «برسين»، وتوفي له طفل مرة واحدة، عندما أجهضت رخسانة في بابل.
كانت ميول الإسكندر الجنسية موضع جدال وشك طيلة سنين. فلا يوجد أي نص قديم يفيد بأنه كان مثليًا، أو دخل في علاقة من هذا النوع، أو أن علاقته مع هفستيون كانت علاقة جنسية. لكن على الرغم من ذلك، يذكر المؤرخ الإغريقي «أليانوس تكتيكوس» قصة جاء فيها أنه عندما زار الإسكندر طروادة، اتجه إلى قبر آخيل وكلله بالزهور، فيما اتجه هفستيون إلى قبر فطرقل وكلله كذلك الأمر، مما قد يعني أنه كان عشيق الإسكندر، كما كان فطرقل عشيق آخيل، فلم عسى كل منهما يزور قبر نظيره دون الآخر إن لم يكن الأمر كذلك. كما يشير أليانوس إلى عبارة «إيرومينوس»، والتي تعني «المحبوب» باليونانية القديمة، ويقول أنها لا تحمل بالضرورة معنى جنسيًا في طياتها، فقد يُقصد بها أن هفستيون كان أقرب الأصحاب والرجال إليه. في جميع الأحوال، فإن مثلية الإسكندر إن كانت صحيحة، لم تكن بالأمر المحرّم أو غير الطبيعي في أيامه، بل كانت أمرًا شائعًا.
يقول پيتر گرين أن النصوص والوثائق القديمة لا تشير إلى أن الإسكندر كان يهتم كثيرًا بالنساء؛ ولعلّ أبرز ما يؤكد ذلك هو عدم إنجابه لولد إلا في آخر أيامه. وقد ردّ باحثون آخرون على هذا الافتراض، بأن الإسكندر توفي وهو ما يزال صغير السن نسبيًا، لكنه على الرغم من ذلك كان قد تزوج بنساء أكثر مما تزوج به أبيه في ذات المرحلة العمرية، وأنه عرف نساءً كثيرات غير زوجاته، فكان له حريمًا كما شاه فارس من قبله، لكنه اعتدل في معاشرتهنّ؛وأظهر ضبط نفس كبير ومنع نفسه من الانغماس في «ملذات الجسد»، حتى أنه لم يفرض نفسه على رخسانة في ليلة زواجهما، على الرغم من أنها فتنته افتتانًا كبيرًا. يُضيف گرين أن الإسكندر كوّن صداقات متينة مع عدد من النسوة، أبرزهنّ «أدا الكاريّة»، التي تبنته، وحتى «سیسیگامبیس» والدة داريوش الثالث، التي أحبّت الإسكندر كولدها، ويُقال أنها ماتت من شدّة الحزن عليه.

6 - وفاته وخلافته : -
توفي الإسكندر في قصر نبوخذنصَّر ببابل، في العاشر أو الحادي عشر من يونيو سنة 323 ق.م، وله من العمر اثنان وثلاثون سنة. وقد اختلف المؤرخون اختلافًا قليلاً في تحديد أسباب الوفاة، فقد قال پلوتارخ أنه قبل وفاة الإسكندر بحوالي 14 يومًا، كان قد استقبل نيارخوس وأمضيا الليل بطولة يتسامران ويشربان الخمر بصحبة ميديوس اللاريسي، حتى مطلع الفجربعد ذلك أصيب بحمّى قوية، استمرت بالتفاقم حتى أضحى عاجزًا عن الكلام، وخشي عليه جنوده وأصابهم القلق، فمُنحوا الأذن بأن يصطفوا بالطابور أمامه ليسلموا عليه، وقد ردّ عليهم السلام بالإشارة. يقول ديودورس أن الإسكندر أصيب بألم شديد بعد أن احتسى طاس خمر صاف على شرف هرقل، ثم مات بعد أن عذبه الألم عذابًا قويًا. ذكر مؤرخون آخرون هذه الحادثة كتفسير بديل محتمل لوفاة الإسكندر، أما پلوتارخ فقد نفاها تمامًا.
من الأسباب الأخرى المحتملة لوفاة الإسكندر، هي اغتياله من قبل الأرستقراطيين المقدونيين، وقد ذكر هذه النظرية كل من ديودورس وپلوتارخ وآريان وجستن، فقالوا أن الإسكندر سُمم على يد بعض المقربين منه، غير أن پلوتارخ رفضها وأفاد بأنها رواية ملفقة لا أساس لها من الصحة، فيما قال ديودورس وآريان أنهما ذكراها لتتمة الفائدة فحسب. تشير الأدلة المتوافرة، أن التسميم لو كان هو السبب وراء موت الإسكندر، فإن المشتبه به الرئيسي هو أنتيپاتر، الذي ائتمنه الإسكندر على مقدونيا أثناء غيابه، ثم عاد وعزله واستدعاه إلى بابل، ولعلّ أنتيپاتر اعتبر استدعائه بمثابة حكم بالإعدام، وخاف أن يلقى نفس مصير پارمنيون وفيلوطس، فأوعز إلى ابنه «إيولاس»، الذي كان يعمل ساقيًا للإسكندر، أن يدس له السم في النبيذ أو الماء. كما اقترح بعض الباحثين تورّط أرسطو نفسه في هذه القضية. ردّ بعض الباحثين على القائلين بنظرية التسمم هذه بأن فترة اثنا عشر يومًا مرت بين إصابة الإسكندر بالمرض ووفاته، وهي فترة تُعد طويلة جدًا حتى يأخذ أي سم من الأنواع التي كانت معروفة حينها تأثيره الكامل، فالسموم بطيئة المفعول كانت على الأرجح غير معروفة بعد. أفادت إحدى النظريات الحديثة التي برزت إلى حيّز الوجود سنة 2010، أن أعراض مرض الإسكندر المذكورة في الوثائق القديمة تتلائم مع أعراض التسمم بالماء الأسود لنهر ستيكس التي تحوي مركب «الكاليكميسين» فائق الخطورة، الذي تسببه إحدى أنواع البكتيريا القاتلة.
اقترح البعض أن يكون سبب الوفاة راجع إلى إحدى الأمراض الطبيعية المزمنة التي يُحتمل إصابة الإسكندر بها أثناء أسفاره، ومن الأمراض التي رُشحت أن تكون وراء وفاة الإسكندر المبكرة: الملاريا والحمى التيفية. أفادت إحدى مقالات النشرة الطبية لإنگلترا الجديدة The New England Journal of Medicine)) من عام 1998، أن موت الإسكندر جاء نتيجة إصابته بالحمى التيفية التي سببت له عدّة مضاعفات توجت بانثقاب المعدة والأمعاء ومن ثم الشلل التصاعدي. كما رجّح بحث حديث آخر أن يكون التهاب السحايا هو القاتل. من الأمراض الأخرى التي تتلائم أعراضها مع تلك التي ظهرت على الإسكندر: التهاب البنكرياس الحاد وڤيروس النيل الغربي. تميل نظريات الوفاة لأسباب طبيعية إلى أن تشدد على أن صحة الإسكندر كانت في تراجع تدريجي على الأرجح، منذ أن غادر مقدونيا وانطلق في حملاته إلى أقاصي العالم المعروف، فتعرّض لأدواء مختلفة في مناخات متناقضة، واستنشق نصيبه منها في ساحات المعارك من الجثث المتناثرة، وأصيب ببعضها عن طريق الجروح البالغة، وأخيرًا كان لشربه الخمر بكثرة أثرًا عظيمًا في إضعاف جسده عبر السنوات. كذلك، لعلّ الكرب والغم الذي شعر به الإسكندر بعد وفاة هفستيون قد لعب دورًا كبيرًا في تراجع صحته. من أبرز الأسباب أيضًا تعاطي الإسكندر جرعات زائدة من الأدوية المصنوعة من نبات الخربق، وهو قاتل بحال استهلكت منه كميات كبيرة.
أ - بعد وفاته : -
وُضع جثمان الإسكندر في تابوت ذهبي صُنع على هيئة بشرية، ووُضع هذا بدوره في ناووس من الذهب تفيد بعض النصوص أن عرّافًا يُدعى «أريستاندر» تنبأ بأن البلد التي سيُدفن فيها الإسكندر «ستعرف السعادة طيلة أيامها ولن يقوى أحد على غزوها وقهرها». يُحتمل أن يكون كل خليفة من خلفاء الإسكندر قد اعتبر الاستحواذ على جثمان ملكهم الراحل عملاً يُضفي الشرعية على خلافته الخاصة، لا سيما وأن دفن الملك الحالي للملك السابق كان يُعد إثباتًا قاطعًا لحقه في العرش. أثناء سير موكب جنازة الإسكندر من بابل إلى مقدونيا، تعرّض لهم بطليموس وقطع عليهم الطريق، وحوّل المسير إلى منف عاصمة مصر حيث حُنّط الجثمان ووري الثرى، ثم قام خليفته بطليموس الثاني بنقل التابوت إلى الإسكندرية حيث بقي حتى ما قبل بداية العصور الوسطى بقليل. أقدم بطليموس التاسع، وهو من أواخر خلفاء بطليموس الأول، أقدم على نقل مومياء الإسكندر من التابوت الذهبي إلى تابوت آخر مصنوع من الزجاج، وذلك حتى يتسنى له تذويب الأول وسكّ العملات من سائله. قام كل من القادة الرومان پومپي ويوليوس قيصر وأغسطس قيصر بزيارة ضريح الإسكندر، ويُقال أن الأخير اقتلع الأنف عن طريق الخطأ، كما ورد بأن يوليوس قيصر بكى عندما بلغ عامه الثالث والثلاثين، قائلاً أنه على الرغم من كل إنجازاته لم يبلغ ما بلغه الإسكندر من المجد في هذا السن. كذلك قيل أن الإمبراطور الروماني كاليگولا اقتلع الصفحية الصدرية من المومياء واحتفظ بها لنفسه. أقدم الإمبراطور سپتيموس سيڤيروس على إغلاق ضريح الإسكندر أمام العامّة في سنة 200 م، وقام ابنه كاراكلا، وهو من أشد المعجبين بالإسكندر، بزيارة قبره خلال فترة حكمه. أما بعد مضي هذا العهد، أخذت الدلائل والنصوص التي تتحدث عن الضريح تقل شيءًا فشيئًا إلى أن انتهت لغاية الندرة، حتى أصبح موقعه ومصيره من ضمن الأمور التاريخية التي يكتنفها الضباب حاليًا.
عام 1887، اكتشف العالم والباحث العثماني، عثمان حمدي بك، تابوتًا بالقرب من مدينة صيدا بلبنان تظهر عليه نقوش للإسكندر وهو يُقاتل الفرس في بعضها ويصطاد حيوانات في بعضها الآخر، فأطلق على التابوت «تابوت الإسكندر»، وقد جعلت هذه التسمية كثيرًا من الناس يُخطئون ويعتقدون أنه كان يحوي رفات القائد المقدوني. كان يُعتقد أساسًا أن هذا التابوت حوى رفات «عبدلونيموس» ملك صيدون الذي عينه الإسكندر عقب معركة إسوس، غير أن بعض الأدلّة الحديثة تشير إلى أن هذا التابوت يرجع لفترة زمنية سابقة على عام 311 ق.م، أي السنة التي شهدت وفاة عبدلونيموس.
بـ - تقسيم الإمبراطورية : -
كانت وفاة الإسكندر مُفاجئة لدرجة أنه حينما وصلت الرسائل إلى اليونان حاملة النبأ، لم يُصدقها الكثير من الناس وزعموا أنها إشاعة لا أساس لها من الصحة. لم يكن الإسكندر عند وفاته قد خلّف بعد وريثًا يجلس على عرش الإمبراطورية، بل إن ابنه من رخسانة، الإسكندر الرابع، وُلد بعد موته بشهور. يقول ديودورس أن أصحاب الإسكندر سألوه على فراش موته إلى أي الرجال ترك لهذه الإمبراطورية الواسعة، فأجابهم بإيجاز «إلى الأقوى».يعتبر كل من أريان وپلوتارخ أن هذه القصة ملفقة، إذ أن الإسكندر كان قد فقد كل مقدرة على النطق في هذه المرحلة. قدّم مؤرخون آخرون قصة أكثر جدارةً بالتصديق ولو ظاهريًا، فقالوا أن الإسكندر أعطى خاتمه إلى پيرديكاس، وهو أحد حرّاسه الشخصيين وقائد خيّالته، بحضور شاهد، وبذلك يكون قد رشحه لخلافته.
اقترح پيرديكاس أن يتولى ابن الإسكندر شؤون الحكم عند بلوغه سن الرُشد، وذلك إن كان ذكرًا بطبيعة الحال، وأن يلعب هو وكراتيرس، وليونّاتوس، وأنتيپاتر، دور الأوصياء عليه حتى ذلك الحين. غير أن الجنود المشاة، بقيادة أحد الضبّاط، المدعو «ميلياگروس»، رفضوا هذا الترتيب بحجة أنهم لم يُستشاروا في الأمر من الأساس، ورشّحوا فيليپ آرهيدايوس، الأخ اللاشقيق للإسكندر، ليتربع على عرش الإمبراطورية. في نهاية المطاف توصل الفريقان إلى تسوية مرضية لكل منهما بعد ولادة الإسكندر الرابع، فجعلوه وفيليپ ملكان يشتركان بالحكم، ولو اسميًا فقط.
سرعان ما دبّ الخلاف بين المقدونيين بعد فترة قصيرة من ذلك، وحدث انشقاق ومنافسة بين كبار الضبّاط، الذين تسرّب الطمع إلى قلوبهم ورغب كل منهم بالحكم. فقام پيرديكاس بتقسيم أراضي الإمبراطورية ووزعها عليهم حقنًا للدماء، فأصبح كل إقليم من تلك الأقاليم بمثابة قاعدة استخدمها كل قائد ليتوسع وينطلق باتجاه أراضي خصمه. بعد اغتيال پيرديكاس سنة 321 ق.م، انهارت الوحدة المقدونية بالكامل، فتحارب إخوة الأمس فيما بينهم طيلة 40 سنة، ولم تنتهي الحرب إلا بعد تقسيم العالم الهيليني الذي أسسه الإسكندر إلى أربعة أقسام: المملكة البطلمية في مصر وجوارها، والإمبراطورية السلوقية في الشرق، ومملكة پرگامون في آسيا الصغرى، ومملكة مقدونيا. كما تمّ اغتيال كل من الإسكندر الرابع وفيليپ آرهيدايوس.
جـ - وصيّته : -
يقول ديودورس أن الإسكندر كان قد أعطى كراتيرس تعليمات مفصلة مكتوبة وصّى فيها ببعض الأمور، قبل وفاته. شرع كراتيرس بتنفيذ وصيّة الإسكندر بكل نشاط، غير أن خلفاء الأخير أوقفوه عند حده واختاروا ألاّ يُنفذوا أكثر مما نفذ حتى ذلك الحين، معتبرين أن ما بقي من المطالب لهو غير عملي ومتهور وينطوي على الكثير من الإسراف. لكن على الرغم من ذلك، قام كراتيرس بقراءة وصيّة الإسكندر على الجنود،ليكتشفوا أنه يدعوهم إلى التوسع في إقليم جنوب وغرب حوض البحر المتوسط، وبناء نصب تذكارية عظيمة، والاختلاط مع شعوب الشرق، ومما جاء تفصيلاً:
بناء ضريح تذكاري لوالده وملكهم السابق فيليپ الثاني، «يُضاهي عظمة أهرام مصر».
تشييد هياكل كبيرة في كل من: جزيرة دلوس، ومدائن دلفي، ودودونا، وديون، وآمفیپولیس، وبناء هيكل مكرّس للإلهة آثينا في طروادة.
فتح شبه الجزيرة العربية وكامل حوض البحر المتوسط.
الملاحة حول أفريقيا وتخطيط سواحلها.
بناء مدن جديدة، و«نقل جمهرات من آسيا إلى أوروبا والعكس، في سبيل توحيد القارتين، والتأليف بين قلوب   الشعوب عبر التزاوج من بعضهم وإنشائهم لروابط عائلية».