الثلاثاء، 2 أغسطس 2016

بحث عن الملك مينا ( نارمر ، نعرمر )

1 - التسميه : -
اسم نارمر يمثل صوتياً بالرموز الهيروغليفية "نعر" أي قرموط و "مر" أي مطرقة (أو قادوم). وتلك الرموز يمكن نطقها كذلك كما يلي: "نارمرو" أو "مرونار"، إلا أن العرف جرى على أن تنطق "نارمر". والاسم يعني: القرموط الغاضب .

2 - حكمه : -
لوحة نارمر الشهيرة، المكتشفة في 1898 في هيراكونپوليس، تظهر نارمر حاملاً شعاري مصر العليا (الصعيد) ومصر السفلى (الدلتا)، مما عزز نظرية أنه كان موحد المملكتين. تقليدياً يعزى هذا الإنجاز للملك مينا، وهذا ما تذكره قائمة مانيتو بجانب كونه أول الملوك الفراعنة. بعض العلماء يعتقدون أن مينا ونارمر هما نفس الشخص، بينما يعتقد علماء آخرون أن مينا هو حورس آخا وأنه ورث حكم مصر التي وحدها نارمر من قَبْلِه. علماء آخرون يعتقدون أن نارمر بدء عملية التوحيد وإما أنه لم ينجح أو نجح جزئياً؛ تاركاً إكمال المهمة لمينا. وهناك نظرية أخرى مساوية في الإحتمال وهي أن نارمر أعقب مباشرة الملك الذي وحد مصر (والذي ربما كان الملك عقرب الذي وُجد اسمه على صولجان في هيراكونپوليس)، ومن ثم اتخذ نفس رموز توحيد الشطرين التي كانت مستعملة قبله لمدة جيل. ويجب ملاحظة أنه بينما كان هناك الكثير من الأدلة الملموسة على وجود فرعون اسمه نارمر، فلا يوجد أي دليل عدى قائمة مانيتو والأسطورة على وجود الملك مينا. قائمة الملوك المكتشفة حديثاً في مقبرتي دن و قاعا تذكر نارمر كمؤسس هذه الأسرة المالكة .

3 - تأسيس الأسرة الأولى : -
ومؤسسها بعض الخلاف بين المتخصصين من الباحثين في تلك الفترة الزمنية من تاريخ مصر. وكانت الإشكالية قديماً من هو الملك "مِـن" (مينا)، وهل هو الملك القرب الثاني، أم الملك نعرمر، أم الملك حور عحا.
وكان بعض المتخصصين قد وحدوا الملك مينا مع الملك التاريخي عحا؛ ولكن حتى زمن قريب - وقبل اكتشافات أبيدوس بالآونة الأخيرة- تم توحيد مينا مع الملك التاريخي نعرمر؛ وقد رجحوا ذلك في ضوء بعض الاكتشافات الحديثة.
إلا أنه - من خلال طبعة ختم طيني من مقبرة بسقارة تعود إلى عهد الملك قاعا، آخر ملوك الأسرة الأولى - تأكد حديثاً أن الملك مينا هو ذاته الملك نعرمر، بل أنه مؤسس ورأس الأسرة الأولى؛ ثم خلفه في الحكم على الترتيب الملوك؛ حور عحا، ودجر، ودجت، ودن ومرني عت، وعنجي إب، وسمر خت، و[[قاعاي]. وكان ذلك في سياق تكرار أسماء هؤلاء الملوك مرتين، تارة في سجل علوي يبدأ باسم الملك نعرمر، وينتهى باسم الملك قاعا؛ وتارة أخرى باسم الملك مينا، وينتهى باسم الملك قاعا.
كما يؤكد المصدر سالف الذكر أثر آخر، ألا وهو طبعة ختم من مقبرة الملك دن بأبيدوس، عليه أسماء ملوك الأسرة الأولى على الترتيب: نعرمر، حور عحا، دجر، دجت، دن، ثم مرني عت أم الملك حور عحا. وحتى وقت قريب لم يكن معروفاً ما إذا كان اختيار منف كعاصمة للأسرة الأولى قد تم في عهد الملك نعرمر، أم أن الأمر قد جرى في عهد لاحق. وقد اعتقد البعض أنه تم في عهد الملك حور عحا تبعاً لافتراض دراير ومن تبعه في رأيه بأن هذا الملك الأخير هو مؤسس الأسرة الأولى .
والمعروف أن الرحالة الإغريقى هيرودوت قد نسب إلى الملك مينا، أمراً بإقامة العاصمة التى عُرفت باسم إنب-حدج، أى (الجدار الأبيض)، إشارة إلى أن سورها كان مبنياً بالطوب اللبن ثم لُون باللون الأبيض؛ أو أنه كان مشيداً بالحجر الجيري الأبيض. وهذه المدينة هى التى عُرفت فيما بعد باسم "من- نفر" (ثابت وجميل)، والتى حُورت إلى "منف"، ثم: "ميت- رهنت" التى حُوِّرت إلى "ميت رهينة"، وهو الاسم الحالي للقرية التى تقوم على أطلال هذه المدينة .
وتبعاً لما أثبتته المصادر المصرية التى أشرنا إليها بأن الملك نعرمر هو ذاته الملك مينا، وأنه رأس ومؤسس الأسرة الأولى؛ فإنه يكون هو أيضاً نفس الملك الذى أسس العاصمة إنب- حچ، والتى اختار لها موقعاً متوسطاً بين شمال البلاد وجنوبها .
أما عن الملك نعرمر ذاته، والذى يُعرف أيضاً باسم مينا، كما ورد في الآثار المصرية من عصر الدولة الحديثة، فهو الملك الذى خطت البلاد في عهده خطوات واسعة نحو الوحدة وتأسيس الأسرة الأولى؛ لذا فمن المهم أن نلقى مزيداً من الضوء على آثاره، سواء ما كُشف منها قديماً، أوما كُشف حديثاً، خاصة في مواقع الدلتا؛ مما يؤكد ما ذكرناه من انتشار ثقافة الصعيد في كافة أنحاء البلاد .

4 - أسلافه : -
زوجته يعتقد أنها كانت نعيث‌حوتپ، وكانت أميرة من مصر السفلى. وقد وجد اسمها في مقابر خلفاء نارمر المباشرين حور آحا ودجر، مما يدعو للإعتقاد أنها كانت أم أو زوجة حور آحا .

5 - أثاره : -
أ - الدلتا ومصر الوسطى : -
الحجرات B17 وB18 في أم القعب، مقبرة الملك نارمر...
ب - منشأة أبو عمر : -
الملك مينا ضمن جزء من موكب الكهنة الحاملين لأسماء وتماثيل ملوك الوحدة وأسلاف الملك رعمسيس الثاني من ملوك الأسرتين الثامنة عشرة والتاسعة عشرة (F.2c) فى موكب عيد المعبود مين بالواجهة الداخلية الشماليةالشرقية (F.2) للصالة الثانية (F) من معبد الرامسيوم .
عثر في منشأة أبو عمر على إناء يحمل اسمه، وقد ظهرت علامة (نعر) في شكل شرطة أفقية.[2]
تل ابراهيم عواد .
عثر أيضاً على كسرة إناء عليها اسم نعرمر. الملك مينا ضمن جزء من موكب الكهنة الحاملين لأسماء وتماثيل ملوك الوحدة وأسلاف الملك "رعمسيس الثانى" من ملوك الأسرتين الثامنة عشرة والتاسعة عشرة (F.2c) في موكب عيد المعبود مين بالواجهة الداخلية الشماليةالشرقية (F.2) للصالة الثانية (F) من معبد الرامسيوم .
ج - كفر حسن داود : -
أختام الملك نعرمر من مقبرة رقم (414) بطرخان.
عثر على إناء يحتمل قراءة اسم نعرمر عليه، ولكن لم يعثر على شواهد أخرى تعززه.
د - حلوان وطرة : -
عثر في مقبرة (1 H, 40 H) على قطعة من الفيانس المزجَّج تمثل سرخ (واجهة القصر الملكى) في رديم المقبرتين، وعليها العلامتان المكونتان لاسمه، وهما: نعر (سمكة القرموط)، ومر (الأزميل). وكذلك عثر على اسمه في موقع طرة القريب من حلوان .د
ھ - زاوية العريان : -
عثر على كسرة إناء عليها علامة سمكة القرموط نعـر.
طرخان
عثر على إناءين لسوائل من طرخان، عليهما اسم الملك كاملاً. عثر على إناء في مقبرة (1100)، يؤرخه "فان دن برنك" بعهد "نقادة" (III b1)، نقش عليه علامة نعر فقط من اسمه. وعثر أيضاً على ختم مُطعم بالمقبرة رقم (414)، مسجّل عليه اسمه. وكذا عثر في مقبرة رقم (412)، ومقبرة رقم (415) على أوانى سوائل تحمل اسمه وايضًا أختام الملك "نعرمر" من مقبرة رقم (414) بطرخان .
و - أبيدوس : -
إعادة تركيب لنص على طبعة ختم طينية من الجبانة الملكية بأبيدوس، به أسماء حكام الأسرة الأولى من نعرمر إلى دن بترتيبهم التاريخى (حوالى 3000 ق.م).
بطاقات من العاج تحتوى على اسم الملك نعرمر من الجبانة الملكية بأبيدوس.
بطاقات من العاج تحتوى على اسم الملك نعرمر من الجبانة الملكية بأبيدوس.
بطاقات من العاج تحتوى على اسم الملك نعرمر من الجبانة الملكية بأبيدوس.
آثار من الأبانوس للملك نارمر في أبيدوس.
آثار للملك نارمر والملك حور عحا في أبيدوس.
من الجبانة (B) في أبيدوس، عثر على أوانى سوائل من الألباستر تحمل اسم الملك نعرمر. وعثر على كسرات من أوانى من نفس الجبانة B)) تحمل اسمه.
من الجبانة (U) عثر على كسرات أوانى من الألباستر عليها اسمه. من المقبرة رقم (18) بالجبانة (B)، عثر على بطاقة عاجية سُجِّل اسمه ضمن نقوشها. إعادة تركيب لنص على طبعة ختم طينية من الجبانة الملكية بأبيدوس .
ل - هيراكونپوليس : -
صلاية نعرمر محفوظة بالطابق الأرض في المتحف المصري .
ظهرت أهمية هيراكونپوليس منذ زمن طويل، وذلك منذ أيام كويبل وجرين اللذين قاما بالحفر في المنطقة في سنوات 1897-1899؛ حيث استخرجا حشداً من الأدلة المتصلة بعصر التوحيد، وكان من أهمها آثار الملك نعرمر، ويأتى على رأسها (صِلاية "نعرمر") الشهيرة، والمحفوظة حالياً بالمتحف المصرى بالقاهرة .
صلاية الملك نعرمر
جعل الكثير من العلماء من صلاية نعرمر الشهيرة شاهداً على المرحلة الثانية من عهد الملك، وهى المرحلة التى استمتع فيها بنتائج جهوده وجهود أسلافه بعد أن حقق وحدة البلاد الكاملة تحت حكمه، وسجل عليها آخر مراحل كفاحه ونتائجها .
إلا أنه عند مناقشة عملية التوحيد، يميل بعض الباحثين (من أمثال فرانشسكو رافائيل، وجيفرى سبنسر، و"والتر ب. إمرى") إلى عدم اعتبار صلاية نعرمر هى المصدر الرئيسى الذى يشهد على التوحيد الكامل بين مصر العليا والسفلى؛ بل يميلون أكثر إلى النظر إلى الموضوع المسجل عليها على أنه حفل تذكارى لنصر عسكرى، أو بالأحرى أنه موضوع شعائرى يهدف إلى تعزيز دور الملك من خلال تصويره في هذا المشهد (وليس بالضرورة أنه سجل في فترة حكم نعرمر)، إن لم يكن رمزاً يشير إلى عقيدة القوة وعبادة الملك .
ويذكر جيفرى سبنسر أن اعتبار صلاية نعرمر السجل الرئيسى للنصر النهائى الذى حققه نعرمر على الشمال - ربما يكون هو التفسير السليم، غير أن الضرورة لا تقتضيه، وخاصة في ضوء تزايد الأدلة على إنجاز التوحيد بطريقة تدريجية استغرقت أكثر من مائتى عام، وهو ما يجعلنا نستبعد فكرة وقوع معركة فردية حاسمة .
كما يذكر والتر ب. إمرى أنه لا يمكن أن يكون هناك شك في أن نعرمر قد أصاب الوجه البحرى بهزائم عسكرية منكرة، وله بحقِّ النصر أن ينتحل لشخصه شعارات الحكم التى كانت لخصمه المهزوم؛ ولكن هذا لا يجعله بالضرورة الحاكم الشرعى للوجه البحرى. وصلاية "نعرمر" من الصلايات الكاملة النادرة، وقد اشتركت نقوش وجهيها في مناظر معينة، واختلفت في مناظر أخرى. فظهر أعلى الجزء العلوى لكل منهما اسم نعرمر داخل إطار مستطيل يرمز إلى واجهة قصره، ويسمَّى عادة باسمه المصرى القديم "سرخ". وظهر على جانبى الاسم (على الوجهين) رأسان للمعبودة حتحور مثلاها بوجه سيدة مليحة بقرنى البقرة وأذنيها. وكانت هذه الحالة من المرات الأولى التى صوّر المصريون فيها ربَّاتِهم بصورة تجمع بين الهيئتين البشرية والحيوانية في وضوح .
فعلى الوجه الأول نرى الملك نعرمر واقفاً وعلى رأسه تاج الجنوب، ويقبض بإحدى يديه على ناصية عدو له يركع أمامـه، ويمسك باليد الأخرى دبُّوس قتال، مما يرمز إلى انتصاره على حكام الدلتا. وقد أصبح هذا المنظر تقليداً فنياً متبعاً يرمز للنصر منذ مطلع الأسرات المصرية وحتى ختامها .
وبجوار العدو مدونة هيروغليفية تشير إلى أملاك الخطاف، والمعروفة اصطلاحاً في النصوص الجغرافية بالإقليم السابع من أقاليم الدلتا. ومن فوقها، فإن الشكل البيضاوى (وهو العلامة الدالة على الأرض)يشير أيضاً إلى الدلتا، وامتداد أحد طرفيه (المواجه للفرعون) يصور رأس العدو المهزوم. وتنبثق من علامة الأرض ست سيقان لنبات البردى، تشكل أَجَمةً يعلوها صقر،يمسك في أحد مخلابيه (وقد تحول إلى يد) حبلاً مثبتاً (بحلقة ؟) في أنف الأسير .
وتحت الخط الدال على الأرضية التى يقف فرعون فوقها، نشاهدشخصين يسبحان. وربما كانت العلامة الغريبة تشير إلى أصولهما، ولكن وضعهما على هذا النحو يؤكد أن الملك المنتصر يدوسهما بقدميه. وأخيراً، وخلف الملك، وعند نفس الخط الدال على الأرضية، يقف حامل نعلى الملك بحجم مصغر ممسكاً بإبريق، ويبدو أنه يمهد لطقوس التطهر .
أما على الوجه الآخر من الصلاية، فقد مُثل الملك بتاج الشمال، وهو يحتفل بانتصاره على سكان الشمال، حيث صور الملك ويتبعه ساقيه وحامل النعال، ويتقدمه كبير أعوانه (لعله الوزير)، ثم أربعة من حملة ألوية المقاطعات، متجهين صوب معبد حور، حيث قتلى الأعداء مغلولة أيديهم، وقد سقطت رؤوسهم المقطوعة بين أرجلهم .
وفى وسط الصلاية حيوانان خرافيان متعانقان، وقد أمسك بمقودهما رجلان رمزاً لقيادة القطرين وقبض زمامهما؛ حيث شكلت الأعناق الطويلة المتعانقة بؤرةَ الصلاية. وفى المنظر الأسفل يبدو الملك بهيئة الثور مندفعاً بقوته نحو حصن اقتحم أسواره فحطمها، وسحق من اعترض طريقة في صورة رجل طريح يطأه بأقدامه .
رأس مقمعة نعرمر
رأس مقمعة نعرمر من الحجر الجيري المطلي .
حفل تتويج نارمر بالتاج الأحمر .
وتعبر نقوش هذه المقمعة في مضمونها عن استقرار عرش البلاد في عهد نعرمر. وهى رأس كبيرة من الحجر الجيري وجدت في معبد نخن، ظهر الملك عليها وهو يعتلى عرشاً في مظلة عالية أقيمت فوق منصة مرتفعة ذات تسع درجات، ورفع مقدمة سقفها صاريان رشيقان .
وقد توج نعرمر في الحفل بالتاج الأحمر تأكيداً على شرعية سيطرته على الدلتا، وأمسك مَذبَّة تقليدية، وارتدى عباءة كاسية شملته من أعلى الرقبة حتى أخمص القدمين، وأصبح خلفاؤه يرتدونها في أعياد يوبيلهم، وفى مناسبات تقليدية تختلف عن المناسبات التى يرتدون فيها النقبة القصيرة .
وقد ظهر من حوله مجموعة من حَمَلة ألويته، وحَمَلة المراوح الكبيرة، وحملة المحفة، فضلاً عن كاتبه، وحامل نعليه ومطهر قدميه. وقد أشـرف عليه من عَلٍٍ عقابٌ رمزاًللمعبودة "نخبت" التى نشرت جناحيها فوق مظلته وكأنها تحميها؛ وظهر إلى جانبها اسمه داخل "سرخ" اعتلاه الصقر (رمز المعبود "حور") كأنه يحميه . وواجهت "نعرمر" مجموعة أخرى، امتازت منها شخصية كبيرة ارتدت عباءة كاسية، وجلست في محفَّة مسقوفة فوق أريكة فخمة شُكِّلت أرجلها الخشبية على هيئة سيقان الثور؛ وظهر إلى جانبها ثلاثة من خاصة المصريين يخُبُّون خَبًّا خفيفاً، وأيديهم معقودة فوق صدورهم داخل ساحة حُددت نهايتُها بأسوار من اللبن على شكل الأهِلَّة. وظهرت أسفلهم أعداد لآلاف مؤلفة من الثيران (400 ألف)، والماعز (1.422.000)، والآدميين (120 ألفاً)، عبَّر الفنان عنها برموز حسابية بسيطة دلت على معرفة قومه بعلامات مفردة تدلعلى أرقام (الألف، والعشرة آلاف، والمائة ألف، والألف ألف)، وذلك في سهولة نسبية لم تهتد الشعوب القديمة إلى مثلها إلا بعد عشرات القرون. أما عن التفسير العام لمناظر المقمعة، فقد تعددت آراء العلماء، فهناك من رأى أنها تصور في مجموعها حفل زواج نعرمر من أميرة من الدلتا جلست أمامه في محفتها؛ بينما هناك من رأى أنها تمثل مرحلة من مراحل احتفال الملك بالعيد الثلاثينى لاعتلائه العرش، وهو العيد المسمى "حب سد" بمعنى: "عيد النهاية"، أى نهاية فترة طويلة يستعيد الملك في ختامها نشاطه، ويؤكد قدرته على مواصلة الحكم بطقوس وحركات معينة يؤديها خلال حفل العيد .
استطاع الملك مينا حاكم مملكة الجنوب، توحيد الوجهين البحري مع القبلي حوالى عام 3200 ق.م، وكون لمصر كلها حكومة مركزية قوية، وأصبح أول حاكم يحمل عدة ألقاب مثل: ملك الأرضين، صاحب التاجين، نسر الجنوب، ثعبان الشمال، وكان كل ذلك تمجيداً لما قام به هذا البطل العظيم من أعمال.
 وبذلك أصبح الملك "مينا" مؤسس أول أسرة حاكمة فى تاريخ مصر الفرعونية، بل فى تاريخ العالم كله، ولبس التاج المزدوج لمملكتي الشمال والجنوب .
م - مدينة منف : -
أدرك الملك "مينا" ضرورة بناء مدينة متوسطة الموقع، يستطيع منها الإشراف على الوجهين القبلى والبحري، فقام بتأسيس مدينة جديدة على الشاطئ الغربي للنيل مكان قرية "ميت رهينة" الحالية بمحافظة الجيزة، وقد كانت في بادئ الأمر قلعة حربية محاطة بسور أبيض، أراد بها صاحبها أن يحصن ويحمى المملكة من غارات أصحاب الشمال، وكان "مينا" قد أسماها "نفر" أى الميناء الجميل، وفيما بعد سميت باسم "ممفيس" زمن اليونان، ثم سماها العرب "منف"، وقد أصبحت مدينة "منف" عاصمة لمصر كلها فى عهد الدولة القديمة حتى نهاية الأسرة السادسة .
ن - لوحة نارمر : -
تم تسجيل انتصارات الملك مينا على مملكة الشمال وتوحيده البلاد، على وجهى لوحة تعرف باسم "لوحة نارمر"، والتي كرست للملك وتم الكشف عنها عام 1897، ويرجح المؤرخون أن "نارمر" هو "مينا"، وقد وجدت هذه اللوحة في مدينة "الكاب"، وهي موجودة حاليا بالمتحف المصري بالقاهرة، وللوحة وجهان، الوجه الأول يصور الملك "مينا" وهو يقبض على أسير من أهل الشمال، وعلى رأسه التاج الأبيض، بينما يصور الوجه الآخر الملك "مينا" وهو يحتفل بانتصاره على مملكة الشمال، وهو يلبس التاج الأحمر .
وقد أعقب هذا الانتصار الذي قام به مينا، تطور هائل في الحضارة المصرية وتبلور لمبادىء الحكومة المركزية، وكانت هذه الوحدة عاملا هاما في نهضة مصر الفرعونية في شتى نواحي الحياة .
و قد صور الجزء العلوى من وجهى الصلاية برأس البقرة حتحور تكتنف السرخ أو ما يسمى بواجهة القصر الملكى (و كان مسورا تنظمه مشكاوات) يحوى الأسم الحورى للملك (أى لقب الإله حورس)، و قد كتب اسم نارمر (نعرمر) من مقطعين تعبر عنهما من علامات الكتابة المصرية القديمة (الخط الهيروغليفى) سمكة القرموطع نعرع و الأزميلع مرع .
و قد تتوجه بعض الأراء الى أن السمكة ما هى إلا نوع من أنواع سمك البحر الأحمر .
و قد مثل الملك على أحد وجهى الصلاية بحجم يستغرق اغلب المساحة بالتاج الأبيض لمملكة الجنوب و نقبة قصيرة مزخرفة يتدلى من خلفها ذيل ثور و من ورائه ساقيه و حامل نعليه إذ يهم الملك بمقمعته المرفوعة فى كفه بضرب اسير راكع يمثل أهل الدلتا, و قد أصبح هذا المنظر تقليدا فنيا متبعا يرمز للنصر منذ مطلع الأسرات المصرية حتى ختامها .
و من رموز الوحدة كذلك ما صور من أرض زاخرة بالنبات يخرج من حافتها رأس محزوم بحبل يمسك به بقبضته البشرية صقر الحر(و هو هنا الإله حورس) قائما على الأرض بنباتها تعبيرا عن هيمنة الملك على الوجه البحرى,أم المنظر أسفل الصلاية ففيه قتيلان من الأعداء سجل مع كل منهما اسم مدينته .

و على الوجه الآخر للصلاية صور موكب النصر حيث نجد الملك هنا بتاج مملكة الدلتا الأحمر يتبعه ساقيه و حامل النعال و يتقدمه كبير أعوانه و لعله الوزير ثم أربعة من حملة ألوية المقاطعات متجهين صوب معبد حور حيث قتلى العداء مغلولة أيديهم ساقطة رؤوسهم المقطوعة بين أرجلهم و فى وسط الصلاية حيونان خرافيان متعانقان و قد امسك بمقودهما رجلان رمزا لقيادة القطرين و قبض زمامهما حيث شكلت الأعناق الطويلة المتعانقة بؤرة الصلاية .
وفى المنظر أسفل الصلاية يبدو الملك كهيئة الثور مندفعا بقوته نحو حصن اقتحم اسواره فحطمها حيث سحق من اعترض طريقه فى صورة رجل طريح يطأه بأقدامه .
و تعد هذه الصلاية من أشهر آثار المتحف المصرى و من أهم الأعمال الفنية الممتازة و ذلك بما تحويه من مناظر و رسوم و رموز و شواهد تاريخية على وحدة البلاد السياسية منذ زهاء خمسة آلاف عام,كما تقوم شاهدا على نشاة الكتابة التصويرية الرسمية (الهيروغليفية ) فضلا عن اسس التقاليد الفنية التى سادت من بعد فى تصوير الملوك و الأرباب ,و هذه الصلاية الرائعة مصنوعة من الأردواز او الشست و يبلغ ارتفاعها 64 سم ، وعرضها 42 سم ،اما سمكها فحوالى 2.5 سم .و قد عثر عليها كيوبيل فى عام 1894 فى هيراكنوبوليس ( الكوم الأحمر بالقرب من ادفو)
و ترجع الى عهد الملك نارمر فترة توحيد البلاد حول عام 3000 ق.م .

5 - فترة حكم الملك مينا : -
حكم الملك مينا مصر مدة اثنين وستين عاما، حارب خلالها أعداء البلاد من الليبيين والنوبيين، وردهم مدحورين، وبعد معارك انتصاره نشر العدل والسلام في ربوع البلاد، ثم وحد فرقتها، مما جعل المصريين يتفانون في حبهم له .
وعندما بلغ حكمه الثلاثين عاما، تسابق الشعب في الاحتفال بهذا العيد الذي كانوا يسمونه عيد الحب، أو العيد الثلاثيني لحكمه .
 وقد بلغ من محبة الشعب لملكهم أن قبلوا مختارين تغيير تقليدهم بخلع الملك عندما يبلغ حكمه الثلاثين عاما، حتى لا يحكم البلاد إلا الشباب، ولكن وفاء منهم لمليكهم المحبوب "مينا" أجمع رأى الشعب على تجديد مدة حكمه، بأن تحايلوا على التقاليد القديمة وقالوا إنه يمكن بإحيائهم لهذا العيد أن يجددوا شباب الملك، ليعيد من أجلهم عهدا جديدا وحكما موفقا سعيدا.
وهكذا أقيمت معالم الأفراح في أرجاء البلاد، وانتقل الملك مينا من عاصمة ملكه إلى مدينة منف حيث تمت مراسيم العيد، بأن خرج في الصباح من قصره وهو يلبس لباسا خاصا، عبارة عن إزار من الكتان الأبيض يغطي جميع جسمه من الرقبة إلى القدمين، بحيث لا يظهر منه إلا يداه، واتخذ مكانه في محفة خشبية تحت مظلة تحجب عنه حرارة الشمس، واعتلى مقعدا رائع الزخرف، وما إن استقر الملك في جلسته حتى أشار بيده، فتقدم إليه بعض أبنائه الشبان وحملوا المحفة على أكتافهم، وكان هذا إيذانا بسير الموكب الملكي في طريقه إلى المعبد حيث يقام الاحتفال الرسمي .

6 - وفاة الملك : -
وقد انتهز الملك مينا فرصة إحدى زياراته لمدينة "منف" وعزم على قضاء بعض الوقت في ممارسة هوايته المفضلة لصيد الطيور والوحوش والأسماك في أحراش الدلتا القريبة من منف .
وفي أحد الأيام الصاحية الجميلة، اصطحب الملك بعض حرسه الخاص ونخبة من أصدقائه المقربين، وخرج للصيد والقنص كعادته، وأغراهم كثرة الصيد فتوغلوا في الأحراش، وابتعد الملك "مينا" عن رفاقه وحيدا, وهو يتبع أحد أفراس البحر المفترسة,وكان الملك جسورا شجاعا رغم كبر سنه، فأخذ يقترب من الفريسة شاهرا رمحه، محاولا قتلها بضربة واحدة، ولكنه أخطأ الهدف، فهجم عليه الفرس بوحشية وضراوة فقتله لساعته، بعد أن صرخ الملك صرخة مروعة تجاوبت أصداؤها بين جوانب الحرس، فأسرع الحرس والأصدقاء إلى مكان الحادث، ولكن بعد أن فات الأوان، ولكنهم قاموا بقتل فرس البحر، ثم نقلوا جثة الملك إلى قصره في مدينة "منف"، حيث قام الكهنة بتحنيط الجثة وتكفينها .
وقد استغرقت هذه العملية أكثر من سبعين يوما، ثم وضعوا الجثة في تابوت حجري نقل في احتفال مهيب إلى إحدى السفن الراسية في الميناء، التي أبحرت به من فورها إلى عاصمة الملك في الجنوب، وعندما وصلت الجثة إلى المدينة حملها الكهنة إلى المعبد، حيث اجتمع الشعب الحزين لتوديع ملكه المحبوب وبطله العظيم الوداع الأخير .
ثم نقلت الجثة في تابوتها الحجري على زحافة ملكية إلى الجبانة بالقرب من العاصمة عند "أبيدوس" ، حيث وضعت في القبر الذي أعده الملك لنفسه من قبل، بين تراتيل الكهنة وعويل النساء وحزن الشعب الذي فقد بموته بطلا مظفرا لا يعوض، وحاكما عظيما أعاد للبلاد وحدتها، وللأمة عزتها، ونشر بين أرجائها الأمن والسلام......


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق