1 - النزاع على السلطة فى الاسكندرية : -
يعتبر "بطليموس" "أولتيس" – "الزمار" – من أسوء ملوك البطالمة فقد كانت قدرته السياسية محدودة مما أدى إلى خضوعه لروما ولسياستها طلبا للحماية كما بدد جانب كبير من ثروته فى سبيل الإعتراف الرومانى به ملكا على مصر ، كما إستدان فى سبيل إعادته إلى العرش .
توفى "بطليموس" الثانى عشر ( الزمار ) وترك خلفه إبنتين ، هما "كليوباترا" "وأرسينوى" وولدين ، هما "بطليموس" الثالث عشر و"بطليموس" الرابع عشر ، وكانت "كليوباترا" تبلغ عندئذ الثامنة عشر تقريبا ، وتصغر عن "أرسينوى" بفترة تتراوح بين سنة وأربع سنين ، وكان أحد الإبنين يبلغ العاشرة تقريبا والأخر الثامنة ، وقد أوصى "بطليموس" الثانى عشر أن يخلفه على العرش أكبر ولديه "بطليموس" الثالث عشر ، على أن يتزوج أكبر أختيه "كليوباترا" السابعة ويشتركا فى الحكم سويا ، وكان "بطليموس" الثانى عشر يعرف مقدار كراهية السكندريين له وعدم إحترامهم وصيته فعهد إلى الشعب الرومانى فى الشراف على تنفيذ الوصية وبعث ببعثة إلى "روما" لكى توضع الوصية هناك فى السجلات العامة لكن الإضرابات فى "روما" حالت دون ذلك فأودعت لدى "بومبى" ، كما أودعت صورة أخرى فى "الأسكندرية" لكى لا يتصرف الرومان فى تنفيذ الوصية كما يشائون ، كان "بوثاينوس" ( potheinos ) وزير المالية ومربى الملك ، وكان الوصى على الملك لحداثة سنه ، وأيضا ممن كان يتمتع بنفوذ كبيرة أنذاك "ثيودوتوس" ( theodotos ) ، أستاذ الخطابة ومعلم الملك الصغير ، و"أخيلاس" ( achillas ) قائد الجيش ، وكانوا جميعا فى البلاط الملكى وكلهم يتطلعون إلى المجد والسيطرة والإستئثار بالسلطة ، فى حين أن "كليوباترا" كانت تتوق إلى التمتع بالحكم ، وتبعا لذلك فأنه كان من المحتم وقوع النزاع بين الفريقين .
ولعب الأوصياء دور كبير فى طرد "كليوباترا" من القصر الملكى عام 48 ق.م ، وبسبب الصراع بين الطرفين عمت الفوضى فى جميع أرجاء البلاد وقد ساعد على زيادة هذا الإضطراب إنخفاض منسوب النيل فى ذلك الوقت مما أزعج حكومة الوصاية إزعاجا شديدا ، وفى ( عام 48ق.م ) حث "بوثنيوس" الملك على تولى السلطة منفردا ونصحه بطرد "كليوباترا" من الحكم ونفيها خارج "الإسكندرية" ولتحقيق هذا إتهمها "بوثنيوس" بالخضوع للرومان ومحاولة إغتصاب العرش لها وطرد أخيها وبذلك أغضب الملك والسكندريين عليها ، إضطرت "كليوباترا" إلى الهروب من "الإسكندرية" ولم ترجع مرة أخرى إلا مع وجود "قيصر" فى "الإسكندرية".
2 - الحروب الأهلية فى روما : -
وقد حدث ذلك النزاع العنيف فى "الاسكندرية" خلال الوقت الذى كانت تجتاز فيه "روما" أزمة حروبها الأهلية ، أذ أنه منذ أن أعاد "جابينيوس" ( الزمار ) إلى عرشه لم تنقطع الفوضى عن الإزدياد باطراد فى "روما" ، ذلك بالرغم من تجديد المحالفة السياسية الأولى فى ( عام 56 ق.م ) ، فأن شعب "قلوديوس" والمكانة المتزايدة التى أكتسبها "قيصر" نتيجة لإنتصاراته فى بلاد "الغال" أبعدا "بومبى" تدريجا عن حزب الشعب ، وقد ساعد على فصم عرى المحالفة الثلاثية وفاة "يوليا" زوجة "بومبى" وأبنة "يوليوس قيصر" فى ( عام 54 ق.م ) ، ومصرع "قراسوس" فى خلال محاربة "البارثيين" فى ( عام 53ق.م ) فكان يتعين على "بومبى" أن يعد نفسه على أن يواجه وحيدا منافسه "قيصر" فى القريب العاجل ، عقب أنتهاء مدة حكمه فى الخارج ( أول مارس عام 49 ق.م ) ، ولم يكن فى وسع "قيصر" الإحتفاظ بنفوذه إلا أذا إستبقى جيشه وحصل على منصب القنصلية ، ولكنه كان لابد من أن تنقضى بين أنتهاء مدة حكمة فى الخارج وبين الإنتخابات لمنصب القنصلية بضعة أشهر ، كان من الممكن أن تقع فيها "لقيصر" أحداث خطيرة ، وأذاء ذلك طلب "قيصر" السماح له بترشيح نفسه لقنصلية العام التالى ( عام 48 ) ، وكذالك بالبقاء فى ولايته حتى تتم الأنتخابات ، لكن "السانتو" رفض إجابة ما طلبه "قيصر" ، وعهد إلى "بومبى" بالدفاع عن سلامة البلاد ، فكان أمام "قيصر" أن يختار بين أحد أمرين ، أما الأنتحار السياسى وأما محاربة "بومبى" "والسانتو" ، ولم يتردد دون شك فى أختيار المكان الثانى ، وفى (11 من يناير عام 49 ق.م) ( تساوى 24 من نوفمبر عام 50 وفقا للتقويم الرومانى بعد أن صححه "قيصر" ) وقعت الواقعة بزحف "قيصر" على "روما" .
وهكذا بدأت الحروب الأهلية التى دامت أكثر من عشرين عاما وجرت إلى الحرب "مصر" وعالم البحر المتوسط بأجمعه ، وخرجت "روما" سيدة إمبراطورية أوسع من أمبراطوريتها الأولى ، ولديها أخيرا نظم أكثر تناسبا مع سيادتها العالمية ، لكنه قبل ذلك هددت المخاطرة قوة "روما" فى أثناء هذه الأزمة ، عندما أصبحت "الأسكندرية" مقر أمبراطورية تنافس أمبراطورية "روما" ، وذلك بعد أن كادت "مصر" منذ برهة وجيزة أن تصبح ولاية رومانية ، ووصلت مكانة أسرة "البطالمة" إلى الحضيض ، حتى بدا محققا أنها ستزول فى ظرف سنين قلائل ، كما زالت من قبل أسرة "السلوقيين" غير أن القدر شاء أن تشرق شمس "البطالمة" إشراقا يخطف الأبصار قبل أن تغيب إلى الأبد ، فكان إشراقا يشبه صحوة الموت ، إذ أنه عندما كانت دولة "البطالمة" تعالج سكرات الموت وجدت "كليوباترا" السابعة سلطانها لا يمتد على ممتلكات "البطالمة" القديمة فحسب ، بل كذالك على أقاليم لم يحلم بها أحد من "البطالمة" الثلاثة الأوائل ، ولما كان أولئك "البطالمة" الأوئل رجالا ، فأنهم أقاموا دعائم إمبراطوريتهم على قوة سواعدهم ، ولكن الأن عندما لم تعد لقوة "مصر" الحربية قيمة تذكر إلى جانب قوة "روما" ، وعندما لم يعد فى وسع أى ملك متربع على عرش "مصر" إنقاذ دولته المتداعية بأية قوة يملكها ، كان القابض على صولجان "مصر" إمرأة ، وضعتها ظروف قاسية فى قبضة ذئبان من ذئاب "روما" ، ولكنها بفضل ذكائها وسحر فتنتها تمكنت من أن تتخذ من قوة "روما" أداة لتنفيذ أغراضها ، فلا عجب أن إسترعى تاريخ "كليوباترا" السابعة أكثر من أى تاريخ أى فرد أخر من أسرة "البطالمة" أفكار أجيال من الأدباء والشعراء .
3 - مصرع بومبى : -
عندما إضطرت "كليوباترا" إلى الفرار من مملكتها ، لم تهدأ بل قامت بتجنيد فرق من الأعراب المتاخمين للحدود الشرقية ، وكانت تتكلم لغتهم ، وأسرعت إلى دخول "مصر" ثانية على رأس جيشها ، فجمع أوصياء الملك القوة اللازمة وإتجهوا شرقا ومعهم الملك الصغير لصد "كليوباترا" ، وفى صيف ( عام 48 ق.م ) كان الجيش الملكى بقيادة "أخيلاس" معسكرا عند رأس "قاسيون" شرقى "يلوزيون" ، ومعسكر "كليوباترا" على مسافة صغيرة من معسكر أخيها ، شوهد وصول السفينة التى تحمل "بومبى" ، إذ أنه عقب هزيمته فى موقعة "فارسالوس" فى العام نفسه فقد ثقته بنفسه وفر هاربا ، تاركا "قيصر" يتم إنتصاره على ما تبقى من فرقه .
إستبقى "بومبى" سفينته والسفن التى ترافقه بعيدا عن الشاطئ ، وبعث رسلا يلتمسون ضيافة الملك ، لكنهم إرتكبوا خطأ كبيرا بالتحدث إلى بعض جنود "جابينيوس" وحثهم على أداء واجبهم نحو "بومبى" وعدم إزدراء سوء حظه ، فأقلق ذلك بال "بوثاينوس" وعقد مجلسا للتشاور فى هذه المسألة ، وقد صدق "بلوتارخ" بأن مصير "بومبى" أصبح متوقفا على القرارات التى يتخذها مجلس يضم خدما وحشما والخصم "بوثاينوس" ومعلم الخطابة المأجور "ثيودوتوس" و المصرى "أخيلاس" .
وقد إنقسمت الأراء فى المجلس بين تحقيق رغبة "بومبى" ورفضها إلى أن تكلم "ثيودوتوس" وأقنع المجتمعين برأيه ، ويؤدى تحقيق رغبة "بومبى" إلى إتخاذ "قيصر" عدوا لهم و"بومبى" سيدا لهم ، وإن رفض هذه الرغبة يجلب عليهم غضبه وغضب "قيصر" الذى سيضطر إلى مطاردته ، وأن الخطة المثلى هى أن يأتون به ويجهزوا عليه .
ويصف لنا "بلوتارخ" خاتمة "بومبى" وصفا مؤثرا ، على أنه عهد إلى "إخيلاس" بقتل "بومبى" ، إستقل زورقا ومعه ثلاثة أو أربعة من خدمه ، و"سالفيوس" قائد إحدى الكتائب ، و"سبتيميوس" وكان من رجال "جابينيوس" وخدم تحت قيادة "بومبى" ، وإتجه الزورق صوب سفينة "بومبى" ، ودعوه إلى ركوب الزورق معتذرا بأن الشواطئ رملية ولا تسمح للسفن الثقيلة بالإقتراب .
وقد دهش "بومبى" لهذه الإستعدادات المتواضعة ، لكنه قبل بها ونزل معهم فى الزورق ، مع إثنين من قادة الكتائب ومعتوقه "فيليب" وتابعه ، وفى أثناء إقترابهم من الشاطئ ، ومغادرة الزورق أمسك بيد "فيليب" ليقف ، عندئذ طعنه "سيتيميوس" "وسالفيوس" "وأخيلاس" من الخلف بخناجرهم ، وقد قطعت رأسه ورميت الجثة على الشاطئ ، حيث حرقها "فيليب" وجندى رومانى عجوز قد خدم فى شبابه تحت قيادة "بومبى" .
4 - وصول قيصر إلى مصر : -
صمم "قيصر" بعد إنتصاره فى معركة "فارسالوس" القضاء على "بومبى" قبل أن يتمكن من إعادة بناء قوته ، ولذلك عندما سمع "قيصر" وهو فى أسيا أن "بومبى" غادر "قبرص" رجح أن يكون قد إتجه إلى "مصر" بسبب صلة الأخير بحكامها ، وخاف "قيصر" من ذلك لأن "بومبى" بإحتلاله "لمصر" استطاع إستعادة قوته مرة أخرى ، ومن ثم أسرع "قيصر" إلى "مصر" أملا فى منع "بومبى" من تحقيق هدفه ووصل إلى مناء "الأسكندرية" يوم ( 2 أكتوبر عام 48 ق.م ) وصل "قيصر" إلى ميناء "الإسكندرية" ، قبل أن يبلغه خبر موت "بومبى" ، وحرص على أن يستطلع الحال قبل الننزول للبر ، فقد كانت "مصر" رسميا حليفة "لبومبى" وتبعا لذلك عدوة "قيصر" ، ومن المنتظر أن "بومبى" وضع خطة للدفاع عن "الإسكندرية" بعد إلتجائه إليها ، فى حين أن قوة "قيصر" كانت تتألف من 34 سفينة 800 فارس و3200 من المشأة ، وإعتقد رجال البلاط أنهم بقطع رأس "بومبى" قد أثبتوا "لقيصر" أنهم قطعوا علاقتهم بأعدائه ، فلا يوجد داعى لغزوا "مصر" بإعتبارها حليفتهم ، وعندما علم رجال البلاط بقدوم "قيصر" ، قام "ثيودوتوس" إلى سفينته حاملا رأس "بومبى" وخاتمه ، فأغضب هذا "قيصر" ، وأخذ الخاتم وأمر بإحراق الرأس وأودعها هيكلا أقامه لالهة الإنتقام "نمسيس" ، وبدلا من أن يحقق أمال أهل البلاط وينصرف عن "الإسكندرية" ، دخلها وسار فى طرقاتها تحفه شارات الحكم الرومانية بوصفه قنصلا ، وإتخذ قصر "البطالمة" مسكنا له .
ولم يكن هذا التصرف تصرفا حكيما ، إذ أنه كان بمثابة إعتبار "مصر" رلاية رومانية و"الإسكندرية" مدينة مقهورة ، وأهالى "الإسكندرية" لم ينسوا أن "قيصر" كثيرا ما طالب بضم مصر إلى الإمبراطورية الرومانية ، وكان فى إعتقاد "السكندريين" أنه جاء غازيا ليرغم ملكهم على دفع ما تبقى له فى ذمة أبيه ، ومعنى ذلك أن يتحمل الأهالى ضرائب جديدة فنشأت إصطدمات عنيفة بين "السكندريين" وجنود "قيصر" .
5 - إستدعاء قيصر لكليوباترا وأخيها للفصل فى نزاعهم وإغواء كليوباترا لقيصر وكسب قلب قيصر : -
من ثم تذكر "قيصر" أن "بطليموس" "الزمار" قد إلتمس من "روما" تنفيذ وصيته ، فأمر الملك والملكة بتسريح جيوشهم والحضور إلى "الإسكندرية" للفصل فى نزاعهم ، ولم يطع "بوثاينوس" الأمر كاملا ، إذ أنه أعاد الملك الصغير إلى "الإسكندرية" ، لكنه ترك الجيش عند "بلوزيون" بقيادة "أخيلاس" .
وأما "كليوباترا" فأعربت عن رغبتها بإطاعة أوامر "قيصر" لأن التحكيم كان أيسر السبل لاسترداد الحقوق لمن كان فى مثل حالتها ، ولا سيما أن الوسطاء الذين كانت تتفاهم عن طريقهم مع "قيصر" أكدوا لها ، أن هذا الدكتاتور يحب النساء.
وكان يتعذر عليها أن تتخطى الحدود جهرا لتصل إلى "الإسكندرية" سالمة أمنة دون أن يدبر رجال البلاط قتلها ، فركبت البحر خفية ومعها كاتم أسرارها "أبولودوروس" الصقلى ، وذات مساء حملها قارب صغير إلى القرب من القصر الملكى وكان يطل على البحر ، وهربها "أبولودوروس" داخل القصر ملفوفة فى سجادة ، وما أن ظهرت "كليوباترا" فجأة من سجادتها أمام "قيصر" ، حتى إستولت عليه منذ هذه الحظه .
وفى اليوم التالى أرسل "قيصر" فى طلب الملك الصغير للتوفيق بينه وبين أخته ، ولكن الصبى ما كاد أن يرى أخته حتى إستولت عليه عاصفة من الغضب ، وقذف بتاجه إلى الأرض وجرى فى الشوارع يصرخ من الخيانة ، وقد أعاد جنود "قيصر" الملك إلى القصر ، ولكن صرخاته أثارت إضطراب كبير بين "السكندريين" فحاصروا القصر ، وكان لا يوجد إلا قليلا من الجنود للدفاع عن القصر ، فاضطر "قيصر" إلى الظهور أمام الجماهير والتحدث إليهم ، ووعدهم بأن يعمل لهم إجتماع عاما للشعب ، وأن يقرأ أمام "بطليموس" و"كليوباترا" وصية أبيهم ، وبعد ثلاثة أيام دعى الشعب إلى الإجتماع أمام "الجومنازيوم" ، وقرأ قيصر وصية "بطليموس" "الزمار" ، وكانت تقضى بأن تحكم مصر "كليوباترا" وأكبر أخويها ، وبأن ترعى "روما" تنفيذ هذه الوصية ، وعلى هذا النحو أوضح "قيصر" حقه فى التدخل فى هذا النزاع وإنطباق قراره على الملك الراحل ولكى يخلد "السكندريون" إلى السكينة ، وعدهم "قيصر" بإعادة "قبرص" إلى "مصر" ، ليتولى حكمها "أرسينوى" وأصغر أبناء "بطليموس" "الزمار" ، وهكذا هدأت "الإسكندرية" وتم الوفاق بين "كليوباترا" وأخيها وفقا لرغبة "قيصر" وتنفيذا لوصية أبيها ، وأقيم حفلا كبيرا بهذه المناسبة .
6 - حرب الأسكندرية عام 48 ق.م وحريق المكتبة الكبرى :-
وكان من الممكن أن يدوم هذا الحال ، لو أن "بوثاينوس" وعصابته الذين فشلت خطتهم ، وأخذوا يلهبون مشاعر "السكندريين" ، بتذكيرهم بالديون وبأن "قيصر" قد جاء يطالبهم بها وليس ليحل الخلاف بين الأخوين ، وفى نفس الوقت عمل "بوثاينوس" على مضايقة الجنود الرومان بعدم إعطائهم سوى القمح القديم الفاسد ، وقام فى المأدب العامة بإستخدام صحاف من الخشب والفخار بحجة أن "قيصر" إستولى على كل الصحاف المصنوعة من الذهب والفضة وفاء لدينه ، وذهب "بوثاينوس" فى متابعة سياسته فى حب نهب المعابد زاعما بأنه لم يضطره إلى ذلك إلا الإستجابة إلى مطالب "قيصر" الملحة بعد أن أصبحت الخزانة العامة خاوية ، وكا قصده من ذلك إثارة عواطف "المصريين" الدينية لعدم إهتمامهم بالمشاكل السياسية .
وعندما إستوثق من مشاعر "السكندريين" ، طلب من "إخيلاس" الزحف على "الإسكندرية" بجيشه ، فترك "أخيلاس" فى "بلوزيون" حامية كافية لمنع جنود "قيصر" فى "آسيا" من دخول "مصر" ، وزحف إلى "الإسكندرية" بقوة تتألف من 20000 من المشاة و2000 من الفرسان ، وسرعان ما وجد "قيصر" نفسه وجنوده القليلين محاصرين فى مدينة كبيرة معادية لهم ، فطلب "قيصر" من "بطليموس" الثالث عشر أن يأمر بوقف تقدم الجيش ، وقد إستجاب الملك إلى هذا الطلب وكلف رسولين بإبلاغ هذا الأمر إلى "أخيلاس" ، ولكن هذا القائد قام بقتل رسول وجرح الأخر جرحا خطيرا ، وهكذا بدأت فيما نعتقد فى ( أواخر أغسطس أو فى أوائل أكتوبر عام 48 ق.م ) الحرب التى عرفت فيما بعد بحرب "الإسكندرية" .
وتقدم "أخيلاس" وتوقع نصرا سهلا فى هذه المعركة لقلة عدد جنود "قيصر" ، وبالفعل إستطاع هذا القائد بمجرد وصوله إلى "الإسكندرية" من الإستلاء عليها ورغم ذلك فشل فى إقتحام الأماكن التى تحصن بها "قيصر" فإضطر إلى محاصرتها .
ورأى "أخيلاس" أن فرصة النجاح قد تكون كبيرة ، لو نجح فى الإستيلاء على الميناء والسفن الراسية به ، حيث بذلك يستطيع أن يقطع الإمدادات عن "قيصر" وجنوده ويضطرهم إلى الإستسلام ، ولكن "قيصر" تنبه إلى ذلك وأمر بإحراق السفن التى كانت فى الميناء على الفور ، وكان يوجد فى الميناء 72 سفينة وفى الأحواض 38 سفينة ، وإمتدت ألسنة النيران إلى الأرصفى فأحرقت كمية كبيرة من القمح ، كما إمتدت النيران إلى المكتبة الكبرى بالإسكندرية فأحرقتها .
وفى هذه الأثناء أرسل "قيصر" إلى ( "رودس" ، و"سوريا" ، و"قيلقيا" ، و"كريت" ) يطلب الإمدادات وأثناء ذلك إكتشف "قيصر" المراسلات السرية التى كانت قائمة بين "بوثينيوس" رغم وجوده فى قبضته و"أخيلاس" قائد الجيش ، التى يشجعه فيها على الإستمرار فى حربه على "قيصر" فقام "قيصر" بإعتقاله وثم قام "قيصر" بإعدام هذا الوصى .
أثار إعدامه إضطرابا شديدا بين "السكندريين" كما زاد من حقدهم على "قيصر" فقاموا بقطع إمدادات المياه عن "قيصر" وجنوده ، مما وضعه فى موقف صعب ، وتغلب على هذه الأزمة الشديدة بحفر أبار أمدتهم بالماء اللازم .
فى هذه الأثناء تمكنت الأميرة "أرسينوى من الهرب من القصر الملكى مع مربيها الوصى "جانبيدس" إلى معسكر "أخيلاس" وهناك تم إعلانها ملكة وكان هذا الحدث سببا فى إقامة "المصريين" بمواصلة الحرب ضد "قيصر" بحماس أكثر نظرا لأنهم الأن ملكوا ممثلا شرعيا لأسرة "البطالمة" .
إنضمت "أرسنوى" إلى القائد "أخيلاس" ولكنها إعتزمت أن تدير شئون الحرب معه ، ولكنه لم يبدى أى رغبة فى التخلى عن القيادة العليا للجيش ، وهكذا نشب النزاع بين "أرسينوى" و"أخيلاس" وتأمر كل فريق على الأخر لكى يحصل على السلطة العليا لنفسه ، ولكن "أرسينوى" نجحت فى القبض على "أخيلاس" وأمرة بإعدامه ، مما أدى إلى أن تأول قيادة الجيش إلى الوصى "جانبيدس" وبعد أن ألت قيادة الجيش إلى هذا الوصى تابع بدوره الحرب على "قيصر" .
وفى أثناء هذا الصراع تمكن "قيصر" من الإستيلاء على جزيرة ( فاروس ) ولكنه فشل فى الإستيلاء على الجسر الواصل بين هذه الجزيرة وبين "الإسكندرية" ، وفقد فى هذا الهجوم حوالى 400 جندى بل أنه كاد أن يفقد حياته ، فقد ذكرت المصادر القديمة أنه ألقى بنفسه فى البحر وتمكن من السباحة حتى وصل إلى مركب شراعى صغير ، ثم خلع عبائته وأخذ يسبح بيد واحدة بينما مسك بيده الأخرى لفافة من الورق وحفظها دون أن تبتل ، ولكن عبائته وقعت فى أيد أعدائه الذين رفعوها دليلا على إنتصارهم عليه .
وفى المراحل الأخيرة من الحرب طلب "السكندريون" من "قيصر" أن يرسل لهم الملك الصغير ، نظرا لأنهم ضاقوا بوحشية "جانبيدس" كما ضاقوا أيضا بحكم "أرسينوى" ونزواتها وأجاب "قيصر" "الإسكندريين" إلى طلبهم وأرسل إليهم الملك ، ولكنهم بمجرد أن إنضم إليهم الملك الصغير تابعوا الحرب ضد "قيصر" بحماس شديد ، وفى تلك الأثناء وصلت التعزيزات إلى "قيصر" وفى المعركة الحاسمة إنتصر "قيصر" وهزم الملك وجيشه وقد حاول هذا الملك وعدد من جنوده الهرب من المعركة عبر البحر ، لكن الملك غرق وعدد كبير ممن كان معه .
إنتهت حرب "الإسكندرية" فى منتصف ( يناير عام 47 ق.م ) الذى ثبت قبل رحيله عن "مصر" "كليوباترا" وأخيها الأصغر "بطليموس" الرابع عشر على عرش مصر وبعد عودة "قيصر" إلى "روما" إحتفل بأربع إنتصارات هى كالأتى :ـ
إنتصاره فى حرب "الإسكندرية" .
إنتصاره فى الحروب "الغالية" .
إنتصاره على "فارناقوس" .
إنتصاره على أعدائه فى "إفريقيا" .
وفى مواكب الإحتفالات مثلت تلك الحروب ، وكذالك الرجال بتماثيل وصور متنوعة ومن بينهم صور ( "بوثينيوس" ، "أخيلاس" ).
7 - كليوباترا ويوليوس قيصر : -
بعد إنتصار "قيصر" ودخول "الإسكندرية" قام بتنفيذ الوصية دون أى تعارض من أى أحد أبدا عليه ، وقام بوضع "كليوباترا" على عرش البلاد بإشراك معها "بطليموس" الرابع عشر فى الحكم وقام بإبعاد أختها "أرسينوى" عن الحكم مطلقا لكى لا يقوم بينها وبين أختها منازعات من جديد فى مسألة الحكم أو غيره ، وتدعيما لموقف "كليوباترا" السابعة ، وترك "قيصر" قبل رحيله عن مصر ثلاث فرق عسكرية رومانية فى "مصر" .
وبرغم بقاء "قيصر" هذه المدة كلها فى "مصر" وبرغم أن الحالة الإمبراطورية الرومانية كانت تحتم عليه الرحيل فورا إلا أنه قد قضى الربيع مع "كليوباترا" بعد ما لاقاه من أهوال حرب "الإسكندرية" لذلك بقى إلى جانب "كليوباترا" ثلاث أشهر أخرى تقريبا ، قام معها فى أثنائها برحلة نيلية إلى الصعيد ، وبعد أن إستولى بدون شك على كل ديونه ، غادر "مصر" بحرا فى ( عام 47ق.م ) إلى "سوريا" متجها إلى "أسيا" الصغرى .
وفى ( عام 47 ق.م ) أنجبت "كليوباترا" طفلا صغيرا أطلقت عليه أسم ( قيصر ) ولكن "السكندريين" أطلقوا عليه إسم التصغير ( قيصرون ) ربما كان ذلك لأن "كليوباترا" لم تعتبر نفسها خليلة "قيصر" بل زوجته وبمناسبة ميلاد إبنها أمرت بزخرفت معبد "أرمنت" وسجلت على جدرانه أنها أنجبت "قيصرون" من ( آمون رع ) الذى خالطها فى صورة "قيصر".
8 - إنتصارات قيصر بعد حرب الإسكندرية : -
عندما كان "فرناقس" ملك "القرم" قد إنتهز فرصة الحروب الأهلية وحرب "الإسكندرية" لنشر نفوذه فى "أسيا" الصغرى فقد شن عليه "يوليوس قيصر" حملة لم تستغرق أكثر من خمس أيام للقضاء عليه ولقى "فرناقس" حتفه ، فأسند "قيصر" مملكة القرم إلى ( ميثريداتس البرجامى ) مكافأة له على خدماته ، ومن ثم سارع "قيصر" إلى "روما" حيث إستطاع أن يقضى على القلائل التى كانت تعانى منها "روما" وعلى الفتنة التى وقعت بين فريق ( كمبانيا ) .
وعندما وضع "قيصر" الأمور فى نصابها فى "روما" جهز حملة للقضاء على القوات المعادية له التى أعيد تكوينها فى شمال "إفريقيا" وقت دامت هذه الحملة حتى (صيف 46 ق.م) وإكتسب "قيصر" مجدا جديدا وسلطات جديدة بفضل إنتصاره على أعدائه وحليفهم "يوبا" ملك "نوميديا" ، كان "قيصر" ما يزال فى "الإسكندرية" عندما منح الدكتاتورية لعشر سنوات ، ومنصب المشرف على الأخلاق ، ووضعت عجلة الحربية فوق "الكابيتول" فى مواجهة "جوبيتر" وأقيم تمثاله من البرونز يمثل العالم ويحمل نقشا يدعوه بنصف إله .
وعندما أصبح "قيصر" على هذا النحو سيد العالم ، ذهبت "كليوباترا" السابعة إلى "روما" ومعها أخوها "بطليموس" الرابع عشر وأدمجها "قيصر" فى عداد حلفاء وأصدقاء الشعب الرومانى ، ومن المحتمل أن "كليوباترا" كانت فى "روما" فى شهر ( سبتمبر عام 46 ق.م ) .
وقد أسكن "قيصر" "كليوباترا" وأخيها وحاشيتها فى قصره عبر نهر "التيبر" ، ولكن الظروف أرغمت "قيصر" على الإبتعاد عن "كليوباترا" ثانية بسبب إظطراب الأحوال فى ولاية "أسبانيا" نتيجة لسوء تصرفات حكامها ، ونشاط أخر أعوان "بومبى" الذين تجمعوا فى "أسبانيا" إضطر "قيصر" إلى ترك "روما" فى ( أواخر نوفمبر عام 46 ق.م ) وخاض أخر معركة فى (مارس عام 45 ق.م) وقضاء بضعة شهور هناك بعد ذلك لوضع الأمور فى نصابها ، وعاد فى ( أكتوبر عام 45 ق.م ) "لروما" .
وقد أغضبت تصرفات "كليوباترا" السابعة وكبريائها النبلاء الذين أذل الحرص أعناقهم ، فلم يكتفوا بالسعى إلى "قيصر" بل أخذوا يترددون على مجالسها ويصف "شيشرون" فى أحد خطاباته الطريقة المشينة التى عاملته بها "كليوباترا" وأتباعها .
أما بالنسبة "لقيصر" كان يتمتع بسلطات مطلقة لا تستقيم مع نصوص الدستور الجمهورى ، ولا مع التقاليد الرومانية ولتنفيذ أوامر "قيصر" أعتمد على مجلس "السناتو" الموالى له ، وتشير المصادر إلى مظاهر التشريف التى أغضقت عليه ورفعته إلى مكانة كبير "الآلهة" (جوبيتر) فأصبح الرومان يدعونه ( جوبيتر يوليوس ) وعين ( أنطونيوس ) كاهنا "لقيصر" بذات اللقب الذى يميز كهنة "جوبيتر" .
وتحدثنا المصادر القديمة على إقامة معابد كثيرة "لقيصر" وعن إقامة تماثيله جمبا لجمب التماثيل المقامة للألهة فى المعابد ، وعن حمل تمثال "قيصر" وسط تماثيل "للألهة" فى كل مهرجانات الألعاب الكبرى وفى ( عام 45 ق.م ) نقش بأمر "السناتو" لأول مرة على العملة الرسمية الرومانية صورة بشر على قيد الحياة وهو "يوليوس قيصر" ، ويتضح من تصرفات "قيصر" بعد عودته من "مصر" أنه كان يسعى سعيا حثيثا على أن يقيم فى "روما" ملكية من الطراز "الهلينيستى" أى ملكية تقوم على حق الملوك "الإلهى" .
وعندما أجهز الجمهوريين على "قيصر" أجهزوا أيضا على الأمال التى كانت "كليوباترا" تعتقدها ومن ثم فإن مركزها فى "روما" أصبح محفوفا بالمخاطر ، ولذلك فرت "كليوباترا" إلى "مصر" فى ( أوائل شهر إبريل ) .
وبعد عودة "كليوباترا" من "روما" بقليل أشركت إبنها معها فى الحكم وعملت على أن يعترف به الرومان أو على الأقل أنصار "يوليوس قيصر" ملكا شرعيا ونجد فى معبد "دندرة" "كليوباترا" فى صورة "الإلهة" المصرية "حتحور" ومعها إبنها "قيصرون" فى شكل فرعون ومع ذلك فإن "كليوباترا" لم تؤرخ الوثائق بسنى حكم إبنها ، ويقول المؤرخ "يوسف" "اليهودى" أن "بطليموس" الرابع عشر توفى فى "الإسكندرية" مسموما فى الخامسة عشر من عمره .
9 - الأوضاع فى روما بعد مصرع قيصر : -
عقب مصرع "قيصر" تمكن ( مارك أنطونيوس ) من السيطرة على ناصية الأمور فى "روما" ولكنه كان يجب عليه أن يتفق مع "قيصر أوكتافيوس" وكان حفيد الأخت الصغرى "لقيصر" وبمقتضى وصية أبنه بالتبنى ووريثه وكما كان من العسير التوفيق بين أطماع "مارك أنطونيوس" وأمال "قيصر أوكتافيوس" فإن العلاقة بينهم فسدت إلى حد الإصطدام بالسلاح وكان النصر "لأوكتافيوس" عند "موتينا" فى ( إبريل عام 43 ق.م ) ولكنه بعد هذا النجاح إرتكب "السناتو" الخطأ نفسه مع "أوكتافيوس" الذى إرتكبه فيما مضى مع "بومبى" و"قيصر" حيث لم يسمح "لأوكتافيوس" بترشيح نفسه فى القنصلية ، وكان من جراء ذلك أن "أوكتافيوس" زحف على "روما" بجيشه وأنتخب قنصلا فى ( 19 من أغسطس عام 43 ق.م ) ولم يلبث إلى أن تقرب إلى "أنطونيوس" وحليفه "ليبدوس" حاكم ولايتى "الغال" "وأسبانيا" القريبة ، وتم تكوين الحكومة الثانوية الثانية ، والتى إستمرت حتى ( يناير عام 37 ق.م ) وقد تبع ذلك إعدام المغضوب عليهم وكان " شيشرون " من بينهم الذى أعدم لدفاعه عن الجمهورية ، وهجومه على "مارك أنطونيوس" الذى إتهمه بمحاولة إقامة دكتاتورية عسكرية ، فى أثناء هذه الأحداث قبعت "كليوباترا" تترقب نتائج الصراع على السلطة فى "روما" دون أن تدلى بمدلولها لصالح أنصار "قيصر" .
10 - أنطونيوس : -
وقد كان "أنطونيوس" ينتمى إلى أسرة شعبية قديمة أنجبت للإمبراطورية الرومانية بعض الرجال المتميزين ، لكننا لا نعرف شيئا عنه إلا من ناقديه ، وخاصة من المثالب التى ضمنها "شيشرون" خطبه العنيفة المشهورة ضده ، وقد نال التاريخ الرسمى فى عهد "أغسطس" من قيمة كل ما يتصل "بكليوباترا" فيما عدا "قيصر" ، ومن المأكد أن أداب العصور التالية تأثرت إلى مدى بعيد بهذا التاريخ ، ومع ذلك فأنه من المجقق أن حياة "أنطونيوس" الخاصة كانت معيبة ، لكنه كان شجاعا وقديرا على عقد أواصر الصداقة وكريما مع أصدقائه ، وقد كانت حياته فى الجيش خيرا من حياته الخاصة ، ومن الدور السياسى الذى لعبه فى التاريخ الرومانى ، إذ أنه فى شبابه كان ضابطا نابها فى فرق الفرسان ، ميز نفسه فى الأعمال الحربية التى إنتهت بإعادة تنصيب "هورقانوس الثانى" كاهنا أكبر فى بلاد "اليهود" ، ويحتمل أنه ميز نفسه إلى درجة أكبر فى الحملة التى عادت "بطليموس" "الزمار" إلى عرشه ، وبعد ذلك إشترك مع "قيصر" فى عدة حملات ، وكان قائد الجناح الأيسر لجيشه فى موقعة ( فارسالوس ) ، وفى دكتاتورية "قيصر" الثانية عين قائد للفرسان ، لكنه إستأنف فى "روما" حياته العابثة ، وأثارت علاقته بإحدى الراقصات فضيحة كبيرة ، إلى حد أن قيصر العابث إعتبر سلوكه مشينا ولم يختره زميلا له فى قنصلية ( عام 46 ق.م ) ، ولا قائد للفرسان فى دكتاتوريته الثالثة ، ولم يأخذه معه إلى "إفريقيا" ولا إلى "أسبانيا" ، فبقى فى "روما" ، حيث تزوج "فولفيا" أرملة الشرير "قولوديوس" ، وكانت إمرأة شريرة وعنيفة ، لكنه يسدو أنها كانت تحمل "لأنطونيوس" حبا حقيقى ، وبعد ذلك إكتسب عطف "قيصر" ثانية ، فأنتخب قنصلا معه فى ( عام 44 ق.م ) ثم قام بلأدوار التى مر بنا ذكرها .
والأن عندما أصبح هذا الرجل المحب للملاذ سيد الشرق ، وهو فى الأربعين من عمره ، سولت له نفسه أن يستغل مركزه وظروفه ليفترس "كليوباترا" ولكن فريسته هى من إفترسته على نحو ما سنرى ، ومن الإنصاف "لكليوباترا" ، يجب أن نقرر للمرة الثانية وضعتها ظروف قاهرة تحت رحمة ذئب كاسر ، وأن الدافع الأساسى لعلاقتها مع "قيصر" ثم "أنطونيوس" لم يكن لإرضاء شهواتها ، بل لإشباع أطماعها السياسية ، وأنها لم تكن خليلة لهم بل أنها إعتبرت نفسها زوجة الأول ، وفقا للأوضاع "المصرية" ، وكادت أن تصبح زوجته وفقا للأوضاع "الرومانية" ، وسنر أن الثانى بالفعل قام بإتخاذها زوجة فعلية له .
11 - أنطونيوس يصل أفسوس لتنظيم شئون الشرق : -
وعند وصول "أنطونيوس" إلى ( أفسوس ) بعد موقعة ( فليبى ) ببضعة شهور ، أستقبل كأنه صورة حية للإله "ديونوسوس" ، ويرى البعض أن الأهالى كانوا يعرفون ميله إلى المجون ، آملوا إلى أن يشغلوه بذلك عن شئونه الجدية ، ولعل أن "أنطونيوس" قد إنغمس فى هذا التنكر الديونومى ، الذى صاحبة عشر سنوات حتى نكبته فى ( عام 31 ق.م ) ، مدفوعا بميوله الشخصية ، وفضلا عن إدراكة أن صفة الحاكم السماوية فى الشرق هى التى كانت تبرر سلطانهم ، فلم يظهر لرعاياه الشرقيين على هيئة ممثل عظمة "روما" ، بقدر ما ظهر لهم بصورة حية "لديونوسوس" ، ولماذا إختار "أنطونيوس" "ديونوسوس" بدلا من "هرقل" ، وكان يكن له حتى هذه اللحظة إخلاصا خاصا يتناسب معه بوصفه جنديا ؟ حقا أن ( ديونوسوس ) كان "إله" (( الستعمار الأسيوى )) ، الذى إقتفى أثره "الإسكندر" بل تجسده برهة ، لكنه كان أقرب "آلهة" الإغريق إلى "الإله" "أوزوريس" المصرى ، وكانت أسرة "البطالمة" تدعى أنها من سلالة "ديونوسوس" ، وعلى كل حال فإن "كليوباترا" قامت بالدور الذى يلائمها فى الدراما التى بدأت على هذا النحو فى "أسيا" الصغرى .
12 - أنطونيوس يقع فى شباك كليوباترا : -
ومن "أفسوس" أرسل "أنطونيوس" يستدعى الحكام ، الذين حامت حولهم الشبهات فى خلال الصراع بين الجمهوريين ليبرروا تصرفاتهم ، لكن "كليوباترا" لم تلبى الدعوة أول الأمر ، وبينما كان "أنطونيوس" ينظم شئون "الشرق" ، إنتظر فى قلق ملكة "مصر" ، وعندما طال به الإنتظار أرسل إليها على عجل رفيقه " دليوس " ليحثها على لقاء أنطونيوس فى فيليقيا ، وهكذا وجدت "كليوباترا" نفسها مرة ثانية فى موقف يضطرها إلى الإختيار بين أمرين : إما أن ترفض الذهاب إلى صاحب الأمر والنهى فتجلب على نفسها نقمته وما يتتبعه ذلك من ضياع عرشها وتبديد كل أمالها ، وإما أن تقبل الذهاب .
ولما كان عرشها عزيزا عليها وأمالها واسعة ، فقررت أن تلبى أمره وأن تحاول معه كما حاولت مع "قيصر" من قبل ، لذلك إتجهت "كليوباترا" إلى ميناء "طرسوس" فى (عام 41 ق.م) لمقابلته وتذكر لنا المصادر القديمة أن "كليوباترا" ذهبت إلى "أنطونيوس" وسط العطور العقيقة ، والموسيقى الشجية ، وبين غوان تمثلن "ألهات" الحب وعرائس البحر ، وتحت خوان فحم أقيم على سفينة مقدمتها من الذهب ، وقلاعها من القماش الأرجوانى اللون ، ومقابضها من الفضة ، وسارت بها حتى "طرسوس" وقد سحر قلب "مارك أنطونيوس" كل هذا الجمال والمأدب الليلية الرقيقة التى أقامتها له "كليوباترا" فوقع فى الحال أسير هواها ولعل ذلك يرجع إلى أن "كليوباترا" كانت ملكة فى حين كل محظيات "مارك أنطونيوس" وزوجاته الثلاث كن زوجات من عامة الشعب ، وقد سارعت "كليوباترا" فى إستغلاله لاشباع أحقادها ، إذ أنها أقنعته بإعدام أختها "أرسينوى" ، وكانت لاجئة فى معبد "أفسوس" ، مع أن "أنطونيوس" كان قد إعترف بحق هذا المعبد فى حماية اللاجئين إليه وأكد ذلك الحق وإحترمه حتى هذه اللحظة ، وعندما ثأرت "كليوباترا" لنفسها ، ووطدت مركزها على هذا النحو ، كان فى وسعها أن تعود إلى "الإسكندرية".
13 - أنطونيوس يرحل إلى الإسكندرية والأحداث المهمة وكليوباترا تنجب توئمان لأنطونوس : -
وقد سارع "أنطونيوس" إلى إنجاز تنظيم شئون "سوريا" ، وترك أحد مساعديه فى هذه الولاية التى كان "البارثيون" يتهددونها ، ورحل إلى "الإسكندرية" ليستمتع بتلك الحياة البهيجة ، التى شدت وثاق عقله وقلبه إلى "كليوباترا" و"الإسكندرية" ، ومن المؤكد أن "كليوباترا" لم تستطيع أن تجعل "أنطونيوس" لا يستطيع الإستغناء عنها ، لتضمن بقاء حكمها فى "مصر" وتمهد السبيل إلى ما هو أعظم من ذلك ، وسرعان ما إنتزعته الحوادث الخارجية التى وقعت فى "الشرق" "والغرب" ، ومن المؤكد أن "أنطونيوس" أنذاك لم يحصل على شئ من أموال "كليوباترا" .
غادر "أنطونيوس" "مصر" فى ( ربيع عام 40 ق.م ) ، تغيب عنها أربعت سنوات لم تعرف فيهم أخباره إلا عن طريق فلكى "مصرى" فى حاشية "أنطونيوس" ، وقد حرص هذا الفلكى إما بإيحاء من "كليوباترا" وإما بوازع من نفسه على أن يستحث "أنطونيوس" عن الإنفصال عن "أوكتافيانوس" حتى يحقق لنفسه المكانة التى تليق به ، ومن المحتمل أن "كليوباترا" كانت تعتقد أن الأحداث السياسية ستدفع "أنطونيوس" إلى العودة إليها ثانية ، وقد غادر "أنطونيوس" "مصر" عندما علم بأن "البارثيين" غزوا "أسيا" الصغرى و"سوريا" ، فذهب إلى "صور" بحرا حيث علم بأن قوات حاكم "سوريا" "اليونانى" قد ثارت عليه ، لذلك سارع إلى "أسيا" الصغرى لإستقدام أسطوله ، وهناك علم فى ( صيف عام 40 ق.م ) ، بأن أخاه "لوقيوس" وزوجته "فولفيا" قد تشاحنا مع "أوكتافيانوس" إلى حد الإشتباك المسلح ، وبأن "أوكتفيانوس" إنتصر عليهم وأثر أخاه ، لكن "فولفيا" تمكنت من الهرب ، فقرر أن يعود إلى "روما" فى الحال ، وفى طريقة إلتقى بزوجه فى "أثينا" ، فصب عليها غضبه ، ولا سيما بأنه علم بأنها لم تلقى بنفسها فى تلك المخاطرة إلا لتنتزعه من "كليوباترا" ، ولم يفلح فى تهدئة غضب "أنطونيوس" دفاع "فولفيا" بأنها لم تفعل ما فعلته إلا لتكسبه سيادة العالم ، ولم يقبل أيضا نصيحتها بمحالفة "سكستوس" "بومبى" ، عدو "أوكتافيانوس" ، لأن "أوكتافيانوس" كان لا يزال يحترم إتفاقيته معه ، وقد عامل "أنطونيوس" زوجته معاملة قاسية وتركها غاضبا فى ( سيقوون ) حيث خرجت مريضة وتوفيت ، فزالت عقبة كبيرة فى سبيل التفاهم مع "أوكتافيانوس" .
وقد علم "أنطونيوس" بعد ذلك بأنه عندما توفى قائده فى بلاد "الغال" ، تسلم "أوكتافيانوس" فرق "أنطونيوس" هناك ، ففهم عندئذ أن "أوكتافيانوس" قد إعتدى على الإتفاقية ، ولذلك فإنه لم يكن هناك مفر من الحرب ، وكان "أنطونيوس" أكثر ميلا إلى إلقاء التبعة على أخية وزوجته لخوض غمار الحرب إستثارته منه على "أوكتافيانوس" ، لأنه قبل تفسير زميله بأنه لم يتصرف على نحو ما فعل إلا دفاعا عن نفسه ، ونجحت مساعى التوفيق بين "أنطونيوس" و"أوكتافيانوس" ، وفعلا تم الصلح بينهم فى "برنديزى" أوائل أكتوبر ( عام 40 ق.م ) ، وبمقتضى هذا الصلح أعطى "الشرق" "لأنطونيوس" على أن تنتهى منطقطة عند شاطئ "البانيا" ، وكان الغرب من نصيب "أوكتافيانوس" ، وإحتفظ "لبيدوس" بشمال "إفريقيا" ، وقد تزوج "أنطونيوس" "أوكتافيا" أخت "أوكتافيانوس" لتوكيد أواصر هذا الإتفاق بين هذان القائدان .
وفى تلك الأثناء أنجبت "كليوباترا" من "أنطونيوس" توئمان ، شبه فيما بعد بالتوئمان السماويان : "الشمس" و"القمر" ، لذلك سميا "إسكندر هيليوس" ( الشمس ) و"كليوباترا سيلينى" (القمر) لكنه أثناء زواج "أنطونيوس" من "أوكتافيا" ، وعندما برح "أنطونيوس" "روما" فى (أغسطس أو سبتمبر عام 39 ق.م) بعد أن وضعت له "أوكتافيا" إبنة سمتها "أنطونيا" ، وأتخذ "أثينة" مقرا له مدة عامين ، رافقته زوجته إلى هناك ، وأثناء مشاغله المتعددة لم يتيسر له أن يذهب إلى "أسيا" الصغرى أو إلى سوريا ، اللتين هجرهما وقت الخطر ، وإكتفى بإيفاد أحد رجاله ، "فنتيديوس باسوس" وهو الذى رد "البارثين" ثانية بعد أن أنزل بهم هزيمتين ، إحداهما فى ( عام 39 ق.م والأخرى فى 38 ق.م ) ، وفى ( شتاء عام 38 ق.م ) ، جاء "أنطونيوس" نداء هام من "أوكتافيانوس" يناشده فيه بمدد بحرى يشد أزره فى صراعه مع "سكتوس بومبى" ، فذهب إليه "أنطونيوس" فى ( ربيع عام 37 ق.م ) ، ومعه "أوكتافيا" وكل أسطوله ، لكنه وجد أن "أوكتافيانوس" بنى لنفسه أسطولا جديدا فى الشتاء ، ولم يعد فى حاجة إلى مساعدته ، وقد كان "أنطونيوس" فى حاجة ملحة فى إستكمال حملاته ضد "بارثيا" ولم يكن فى وسعه الحصول على حاجته إلا بمساعدة "أوكتافيانوس" ، وكان يأمل أن يستبدل بسفنه ما كان يحتاج إليه من فرق "رومانية" ، ولما كان "أوكتافيانوس" قد سمع أن "أنطونيوس" يتفاوض سرا مع "لبيدوس" ، فأنه غضب منه وغمره الشك فى نواياه ورفض مقابلته .
وعندما أخذت الأيام تمر بطيئه دون حدوث شئ ، قابلت "أوكتافيا" أخاها وشكت له من ناحية زوجها وأخفلحت فى إزالة ما بينهم من خلاف كان ينطوى على إندلاع حرب أهلية ، وإلتقى الرجلان بالقرب من "تارتنم" حيث عقدت معاهدة جديدة جددت بمقتضاها الحكومة الثلاثية لخمسة أعوام أخرى ، دون إستشارة الشعب "الرومانى" هذه المرة فى ( صيف عام 37 ق.م ) ، لكن هذه المعاهدة لم تكن إلا هدنة مؤقته ، ذلك أن "أنطونيوس" عندما ترك روما فى ( خريف عام 37 ق.م ) ، إلى بلاد "الإغريق" ، كان قد أعمل رأيه على أنه لا طريق غير القطعية مع أوقتافيانوس ، لأنه شعر أنه يحترم كل إتفاقياته مع أوقتافيانوس فإن أوقتافيانوس لم يحترم هذه الإتفاقيات ، وكان أخر مثلا لذلك إتفاقهم فى "تارنتم" على أن يمد أنطونيوس زميله بحولى 120 سفينة لقاء الحصول على أربع فرق عسكرية ، وقيام أنطونيوس بتنفيذ ما وعد به وعدم وفاء "أوكتافيانوس" بالوعود ، وسئم "أنطونيوس" "أوكتافيا" ، وأخذ يشتاق إلى "كليوباترا" ، فعندما وصل إلى جزيرة "قورقورا" ، رد "أوكتافيا" إلى "روما" بحجة إقتراب موعد وضعها ، وعدم رغبته فى تعريضها لمخاطر الحملة ، التى كان ينوى القيام بها ضد "البارثيين".
14 - أنطونيوس يتزوج كليوباترا ويعترف بالتؤمان : -
وما كاد "أنطونيوس" يصل إلى "أنطاكيا" ، حتى إستدعى "كليوباترا" إلى جانبه ، وتزوجها فى الحال فى ( خريف عام 37 ق.م ) ، وأعترف بالتؤمان ، وأصبحت "كليوباترا" فى نظر الجميع زوجة "أنطونيوس" الشرعية ، لكن "الرومان" لم يعتبروها كذلك ، لأن "أنطونيوس" لم يطلق بعد "أوكتافيا" ، ولأن "كليوباترا" كانت أجنبية ، وبمقتضى القانون "الرومانى" كان لا يستطيع أى رجل أن تكون له زوجتان فى نفس الوقت ، ولا أن يعقد زواجا صحيحا على أجنبية ، ويعتبر زواجه من "كليوباترا" نقطة تحول فى مجرى حياته ، وبداية القطعية مع الغرب ، لكنه لم ينوى حين إذ مهاجمة "أوكتافيانوس" ، فقد كان هدفه الأول حين ذاك محاربة "البارثيين" ، إذ أنه بإنتصاره عليهم يجعله وارث "قيصر" الحقيقى ، وتكسبه مكانة تفوق كل ما كان يحلم به "أوكتافيانوس" ، وإذ كان البعض يعتقد أن "أنطونيوس" لم يتزوج "كليوباترا" إلا لإستخدام ثروة "مصر" فى محاربة "البارثيين" ، وإننا نميل إلى الرأى الذى يقول أنه تزوجها بدافع الحب ، لأنه لم يستخدم موارد "مصر" فى هذه الحرب ، لأنه إذا كان الدافع وراء زواجه من "كليوباترا" إستخدام ثروة "مصر" ، كانت هى من سيرفض هذا الزواج وإستنزاف موارد "مصر" ، وكان من السهل على "أنطونيوس" خلع "كليوباترا" والفوز بثروة "مصر" ، وأما من ناحية "كليوباترا" فإن الدافع من هذا الزواج ليس الحب ولكن لإستخدامة فى تنفيذ أحلامها وأطماعها السياسية.
15 - محاولة كليوباترا إعادة بناء دولة البطالمة : -
طلبت "كليوباترا" بعد الزواج مباشرة ، أن تكون هدية زواجها هى إستعادة إمبراطورية "البطالمة" ، بالنسبة "لأنطونيوس" لم يستطيع أن يمنحها أكثر مما كان يستطيع ، فمنحها إمارة "خالقيس" وكل الأقاليم الممتدة بين هذه الإمارة وبين مملكة "هيرود" ( يهوذا وجاليلى ) ، وكانت هذه الأقاليم تشمل كل "سوريا" الوسطى ، وأعطاها أيضا "قليقيا" "تراخيا" "وقبرص" ، والجانب الأكبر من شواطئ "فلسطين" "وفينيقيا" ، فيما بين "مصر" "ونهر اليوثروس" .
إذ كان "أنطونيوس" قد أبى على "كليوباترا" كل مملكة "هيرود" ، وكان تابعه وصديقه الوفى ، فإنه أعطاها أكبر جزء من هذه المملكة ، وهو غابات "البلسم" حول "أريحة" ، وكانت ذات أهمية تجارية كبيرة ، وكذالك الأرض الواقعة شرقى "البحر الميت" ، مع حق إحتقار "قطران" هذا البحر ونتيجة ذلك كله ، إستعادة "كليوباترا" جانبا كبيرا من إمبراطورية "بطليموس" الثانى "فلادلفوس" ، ولا عجب أنها عندما أنجبت "لأنطونيوس" ولدا فى ( عام 36 ق.م ) ، فى أثناء وجوده فى "ميديا" دعت هذا الطفل "بطليموس" "فلادلفوس" ، تخليدا لذكرى إستعادة إمبراطورية هذا الملك وقد أجرت "كليوباترا" إلى "هيرود" حق إستغلال غابات "البلسم" ، وإلى "مالخوس" أمير "النبط" حق إستغلال القطران .
ومنذ ( عام 36 ق.م ) ، نجد الوثائق البردية والعملة فى "مصر" مؤرخة بعهدين مؤكد أن منهم عهد "كليوباترا" حين إعتلائها عرش "مصر" ، وأما العهد الأخر عهد "كليوباترا" بإعتبارها ملكة "خالقيس" وغيرها من الأقاليم "الأسيوية" التى حصلت عليها فى ( العام 16 من حكمها عام 36 ق.م ) ، وبحيث أنها إستولت على جزء كبير من إمبراطورية "بطليموس" "فبلادلفوس" فأطلقت إسمه على إبنها الذى أنجبته فى عام 36 ق.م وباعتبار هذا العام بداية عهد جديد فى حكمها.
16 - أنطونيوس يقود حملة فاشلة ضد بارثيا : -
قضى "أنطونيوس" ( شتاء عام 37 ، 36 ق.م ) ، فى تنظيم "أسيا" الصغرى والإستعداد للحملة ضد "بارثيا" ، وعندما ترك "سوريا" فى ( ربيع عام 36 ق.م ) ، لينضم إلى جيشه ، صحبته "كليوباترا" حتى "نهر الفرات" ، ثم عادت إلى "الإسكندرية" لتضع طفلها ، وفى الطريق مرت "بهيرود" ، وكان يبادلها كراهية شديدة لكنه حرص على أن يدفع لها حقها كاملا عن إستغلال غابات "البلسم" ويغرقها بالهدايا الثمينة ويرافقها حتى الحدود "المصرية" .
وقد كانت الحرب "البارثية" نكبة على "أنطونيوس" ، فهو أن أعد جيشا كان أكبر جيش تولى قيادته قائد "رومانى" ، إلا أنه أهمل إتخاذ الإحتياطات اللأزمة لتأمين سلامة هذه الحملة ، مما أتاح للعدو أن ينقض على قوات المؤخرة التى كانت تحمى المئونة ومعدات الحصار ، وأن يفنى تلك القوات وتحرق تلك المعدات ، مما إضطر "أنطيوخوس" بإنسحاب مشئوم كلفه خسائر فادحة، وفى أثناء تلك الإنسحاب أرسل إلى "كليوباترا" يناشدها أن توافيه فى "سوريا" بملابس وأموال يستعين بها على الترفيه على رجاله بعد ما عانوه ، وبالرغم من صعوبة الملاحة فى الشتاء ، فإن "كليوباترا" أسرعت إلى مقابلة "أنطونيوس" عند "القرية البيضاء" بالقرب من "صيدا" حاملة كميات وفيرة من الملابس والأموال ، وبعدها عاد "أنطونيوس" مع "كليوباترا" إلى "مصر" ( عام 35 ق.م ) .
وقد أبلغ "أنطونيوس" "روما" أنه إنتصر على "البارثيين" ، فإحتفلت العاصمة الرومانية بهذا النصر ، لكن "أوكتافيانوس" وأخته كانا يعرفان الحقيقة ، وكانت "أوكتافيا" ترى أن زواج "أنطونيوس" من "كليوباترا" لم يغير مركزها بوصفها زوجته ، وعندما علمت أنه بحاجة إلى المساعدة ، تركت "روما" فى ( مارس عام 35 ق.م ) ، ومعها مقادير كبيرة من المال والملابس ، وغير ذلك من حاجات الجيش ، 2000 جندى من الجنود المختارين ، وترك "أوكتافيانوس" أخته تذهب إلى زوجها ليجد سببا للحرب ، عندما وصلت "أوكتافيا" إلى "أثينا" ، وجدت رسالة من "أنطونيوس" بعدم الشخوص إليه ، فكان مسلك "أنطونيوس" مع "أوكتافياط قاسيا أشد القسوة ، ومع ذلك فإنها أطاعة أوامره كزوجه وبعثت برسالة عن الجهة التى يريد أن ترسل له ما أعدته من إمدادات .
وبطبيعة الحال أثار مسك "أنطونيوس" غضب "أوكتافيانوس" ، فأمر أخته بترك بيت "أنطونيوس" لكنها رفضت وظلت فى بيت زوجها ترعى أولاده ، سواء أكانوا منها أم من "فولفيا" ، فلا عجب أن كان تجردها عن الأنانية ، هو الذى لمس "الرومان" عن كثب ، قد أذى إلى حد كبير مكانة "أنطونيوس" فى نفوسهم ، وإن كان إلحاق الأذى به أخر ما كانت تتمنا "أوكتافيا" .
وفى الوقت نفسه إبتسم الحظ "لأوكتافيانوس" بأنه وحد قوات "أجريبا" وهزم "سكستوس بومبى" وأعاد الأمن ثانية إلى "البحر اللاتينى" فى ( سبتمبر عام 36 ق.م ) ، وأثناء ذلك تمكن "أوكتافيانوس" من إخضاع "ليبدوس" العضو الثالث فى الحكومة الثلاثية الثانية إلا أن "أوكتافيانوس" ضم منطقة "إفريقيا" لنفوذه وبعد ذلك قام بنفى "ليبدوس" إلى "قرقى" حيث قضى بقية أيامه فى هدوء .
حاولت "كليوباترا" بكل الوسائل إقناع "أنطونيوس" بمحاربة "أوكتافيانوس" ، وينبغى عليه إعداد كل قواته للقيام بالحملة العظمى ، ولا شك فى أن الدافع لدى "كليوباترا" لفتح "روما" عاملان رئيسيان وهما : الثأر للمعاملة السيئة التى كالتها "روما" لوطنها ، إلى أن "روما" حطمت الروح المعنوية فى أجداد "كليوباترا" والأخر هو حب السيطرة .
وقد كانت هناك وسيلتان لمحاربة "روما" وإحداهما هى إستخدام "الرومان" نفسهم ، والأخرى هى إثارة حرب مقدسة "إفريقيا" "أسيوية" على "روما" نفسها ، وهذا هو أشد ما كانت "روما" تخشاه لكن من غير المعروف ما إذا كانت "كليوباترا" فكرت فى هذه الوسيلة أو لا وعلى كل حال فإنها لم تستعين فى حربها إلا للوسيلة الأولى.
17 - أنطونيوس يغزو أرمينيا : -
فى ( عام 35 ق.م ) ، أرسل "أنطونيوس" قواته ضد نشاط "سكستوس بومبى" ، فى "أسيا" الصغرى فضيقت الخناق فضيقت الخناق عليه هو وأسرته ثم أعدمته وفى ( عام 34 ق.م ) ، غزا "أنطونيوسط "أرمينيا" وأخضعها وأستولى على ملكها وإثنين من أبنائه فأصبحت ولاية "رومانية" لمدة عامين وخطب إبنة ملك "ميديا" لإبنه "إسكندر هيليوس" .
وبعد عودة "أنطونيوس" من فتح "أرمنيا" شهدت "الإسكندرية" فى (خريف عام 34 ق.م) مشهدان غير عاديين ذلك أن "أنطونيوس" أقام مهرجان إنتصاره فى "الإسكندرية" على خلاف ما جرى عليه العرف بألا يحتفل القواد "الرومان" بإنتصاراتهم إلا فى "روما" فى كنف الإله العظيم "جوبيتر" الذى كان يقيم على كل "الكابيتول" ويعتبر صورة مجسدة "لروما" .
وعندما دخل "الإسكندريةط راكبا عربة النصر ، ويتبعه الأسرى "الأرمينيون" إتجه إلى "كليوباترا" وقدم إليها الأسرى الملكيين وكانوا مكبلين فى الأغلال ، وهذا العمل أعطى أعدائه فرصة لتقليل شعبيته بين "الرومان" ، أما المشهد الأخر قد شهدته "الإسكندرية" بعد الإحتفال بالنصر ببضعة أيام فى "الجامنازيوم" فقد أقيم على منصة عرشان مرتفعان ، جلس عليهم "أنطونيوس" و"كليوباترا" وعلى مستوى أقل جلس على عروش أخرى ( قيصرون ، إسكندر هيليوس ، بطليموس فلادلفوس ، كليوباترا سيلينى ) وتحدثنا المصادر القديمة أن "كليوباترا" كانت فى زى "الإلهة إيزيس" و"إسكندر هيليوس" فى زى الملوك "الأخمينين" ، و"فلاديلفوس" فى الزى "المقدونى" ، وقد بدأ "أنطونيوس" الحفل بمخاطبة الموجودين فقال لهم أن "كليوباترا" كانت زوج "قيصر" وأن "قيصرون" إبن "قيصر" الشرعى إلى إظهار "أوكتافيانوس" فى ثوب الشخص الذى أغتصب مكان غيره ، فلذلك كان لا يحق له التمتع بولاء الجنود .
وبعد ذلك نادى "أنطونيوس" "بكليوباترا" ملكة الملوك و"قيصرون" ملك الملوك ، على أن يحكما سويا "مصر" و"قبرص" وتمتد سيادتهم على ممالك أبناء "كليوباترا" الأخرين ، ونادى "بإسكندر هيليوس" ملك "أرمنيا" وكذالك على "ميديا" و"برثيا" اللتين لم يفتحهما بعد ، و"بطليموس فلادلفوس" ملك على مملكتى "مصر" و"سوريا" و"فينيقيا" و"قليقيا" ، وتخليد لذكرى هذا الحدث سك "أنطونيوس" عملة نفشت على أحدى وجهيها صورة رأسه وصورة تمثل "أرمنيا" المقهورة ، وعلى الوجه الأخر صورة وجه "كليوباترا" مصحوبة بنفس نص ملكة الملوك وملكة أولادها الذين هم أيضا ملوك وهكذا أصبحت "كليوباترا" صاحبة سيادة على كل أبنائها وحتى "قيصرون" وأما مركز "أنطونيوس" فى هذه الإمبراطورية فأنه حرص ألا يحدده ، وذلك لكى يبقى فى نظر الرومان "مارك أنطونيوس" الحاكم "الرومانى" وفى نظر "الإغريق" و"الشرقيين" الملك "الهلينيستى" المؤله "أنطونيوس" الذى هو "ديونيسيوس" المشبه "بأوزوريس" زوج "كليوباترا" ملكة مصر المؤلهة التى هى "إيزيس" .
وفى ( أول يناير عام 34 ق.م ) ، سك عملة نقش على أحدى وجهها صورة رأسه وعلى وجهها الأخر صورة رأس أبنه التى أنجبته إليه زوجته "فولفيا" ، وبتلى التصرفات أغرق فى إرتكاب حماقة سياسية بعد الأخرى ، فهو لم يكتفى بإقامة إحتفال إنتصاره على "أرمينيا" فى "الإسكندرية" ، ولا بتوزيع ممتلكات "رومانية" على "كليوباترا" وأولادها بل أوضح بأنه لم يعد يقنع بالنصف "الشرقى" فى العالم "الرومانى" أى أن أهدافه لا تقف عند حد تكوين إمبراطورية "شرقية" تناهض إمبراطورية "روما" فى "الغرب" ، بل كان يعتزم أن يصبح سيد العالم "الرومانى" بشقيه "الشرقى" و"الغربى" وبالتالى تحكم "كليوباترا" السابعة أيضا العالم "الرومانى" كله ، ولتحقيق ذلك أخذ "أنطونيوس" يسعى جاهدا لكسب الرأى العام بحملة دعاية سياسة ضد "قيصر أوكتافيانوس".
18 - الصراع بين أنطونيوس وأكتافيانوس : -
وقد بدأ النزاع بين "أنطونيوس" و"أكتافيانوس" بالرسائل إذ أنه فى ( عام 33 ق.م ) ، بعد أن بلغت "روما" أنباء مهرجان النصر الذى أقامه "أنطونيوس" فى "الإسكندرية" بعث إليه "أوكتافيانوس" بارسالة أخذه فيها لسوء معاملته "لأوكتافيا" وعلاقته بملكة أجنبية وتأييده لإبنها ، وقد رد "أنطونيوس" بأنه إذا كان قد تزوج من مصرية فإن "أوكتافيانوس" كان مستعدا لأن يزوج إبنته من أجنبى فضلا عن علاقاته الغرامية المتعدده ثم سرد له كيف أنه لم يحترم شروط إتفاقية "برنديزى" وعاد "أوكتافيانوس" فبرر تصرفاته فى رسالة أخرى بعث بها إلى "أنطونيوس" وصلته فى ( خريف عام 33 ق.م ) ، حين كان فى "أرمينيا" وكان قد زحف إليها فى أوائل ذلك العام ، وتحالف مع ملك "بونتس" ومنحه الجزء "الغربى" من "أرمينيا" كما تحالف مع ملك "ميديا" على أساس أن يرد "لأنطونيوس" الأعلام "الرومانية" التى فقدت فى أثناء الحملة "البارثية" المنكوبة ، وأن يقدم "لأنطونيوس" من رمات السهام والفرسان ، وذلك مقابل حصول ملك "ميديا" على جانب من "أرمينيا" وبعض فرق المشاة الرومانية ، وزواج إبنته من "الإسكندر" إبن "كليوباترا" "وأنطونيوس" وقد كان ذلك إستعداد للصراع مع "أوكتافيانوس" .
ولم يأخذ "أنطونيوس" أية خطوة حين ذلك نحو الإشتباك المسلح لأنه كان يريد قبل كل شئ الإتصال "بالسناتو" والفوز بتأييده فى الصراع المقبل ، ولذلك أرسل برسالة إلى "السناتو" يلتمس فيها موافقتهم لأعماله فى "الشرق" ، ويعرض عن إستعداده للنزول عن سلطانه بوصفه أحد أعضاء الحكومة الثلاثية ، إذ فعل "أوكتافيانوس" ذلك فى الوقت نفسه ، ومذ ذلك الحين بدأ كلا من "أوكتافيانوس" و "أنطونيوس" حملات لاذعة ضد الأخر ساهم فيها إنتصارهم .
وفى ( أول يناير عام 32 ق.م ) ، تولى القنصلية أثنان من أنصار "أنطونيوس" وهما "سوسيوس" و"أهنوباريبسوس" وبدا أن "أنطونيوس" يستطيع إخبار "السناتو" برسالته دون أى عقبة ، لكن القنصليين لم يجرؤا على قرءة الرسالة ، خوفا من إضعاف قضية "أنطونيوس" بتذكير "السناتو" والشعب "الرومانى" بمنح الممالك "لكليوباترا" وأبنائها ، ولذلك فإن "سوسيوس" إكتفى بإلقاء خطبة فى مديح "أنطونيوس" ومهاجمة "أوكتافيانوس" وعندما عاد "أوكتافيانوس" إلى "روما" طلب إجتماع مجلس "السناتو" وأخذ يدافع عن نفسه ، ويهاجم "أنطونيوس" و"سوسيوس" هجوما عنيفا وإعتزم أن يقدم الوثائق التى تثبت قضيته .
غادر "القنصلان" وقليلا من أعضاء "السناتو" "أفسوس" حيث كان يتجمع جيش "أنطونيوس" منذ ( نوفمبر عام 33 ، 32 ق.م ) ، وقد أهدى "أنطونيوس" إلى "كليوباترا" مكتبة "برجاموم" تعويضا لها عن حريق "مكتبة الإسكندرية" ، كما أهدى إليها كثيرا من التحف التى كانت تزدان بها مدن "أسيا" الصغرى و"معابدها" .
وفى "أفسوس" إنقسم أنصار "أنطونيوس" بين مطالبين بإبعاد "كليوباترا" عن "أنطونيوس" وبين معارض على ذلك وكاد الفريق الأول أن يتغلب على الثانى إذ أن "أنطونيوس" طلب من "كليوباترا" الرحيل عن "مصر" ولكنها رفضت وكانت مصممة على الإشتراك فى الحرب وفى (إبريل عام 32 ق.م) ، نقل "أنطونيوس" مركز قيادته إلى "ساموس" حيث نعم "أنطونيوس" وصحبه بسلسلة من الحفلات الموسيقية والمأدب الفاخرة وفى مايو إنتقلت القيادة إلى "أثينا" وأعلن "أنطونيوس" طلاق "أوكتافيا" .
وعندما ضاق بعض أنصار "أنطونيوس" بإستسلامه "لكليوباترا" ، شعر البعض الأخر بأن قضيته خاسرة أخذ الكثيرون ينفضون من حوله وينضمون إلى "أوكتافيانوس" وفى هذه الأثناء عمل "أوكتافيانوس" على تقوية مركزه فى "روما" وجمع المال اللازم للحرب .
وفى ( النصف الثانى من عام 32 ق.م ) ، على "أوكتافيانوس" من بعض أنصار "أنطونيوس" الذين أخبروه أنه أودع وصيته عند "الكاهنات العذارى" فأستولى عليها بالقوة وقرأها "للسناتو" وقد كانت الوصية تتضمن بأن "كليوباترا" قد أنجبت "قيصرون" من "يوليوس قيصر" ورغبة "أنطونيوس" بأن يدفن فى "الإسكندرية" حتى وإن مات فى "روما" وقد أغضبت هذه الرغبة الشعب "الرومانى" غضبا شديدا لأنه رأى فيه دليلا على أن "أنطونيوس" لم يعد "رومانيا" وإنما أداة فى قبضة أجنبية وأنه كان و"كليوباترا" فاز "أوكتافيوس" بتأييدهم ، وإنه ينوى نقل العاصمة إلى "الإسكندرية" وإقامة "كليوباترا" ملكة على "الرومان" .
ووسط ثورة الغضب ضد "أنطونيوس" و"كليوباتر"ا فاز "أوكتافيانوس" بتأييدهم وقد فرض ضرائب جديدة لمواجهة نفقات الحرب وقد أقسمت "روما" و"الولايات الغربية" كلها يمين الولاء "لأوكتافيانوس" ولذلك قرر حرمان "أنطونيوس" سلطته وحقه فى تولى منصب القنصلية ( لعام 31 ق.م ) ، وأعلن الحرب على "كليوباترا" عدوة الشعب "الرومانى" لا على "أنطونيوس" وذلك حتى يضمن وحدة الرأى العام ضد عدوه الأجنبى .
وحين كان "أنطونيوس" يقضى ( شتاء عام 32 ، 31 ق.م ) ، من جيشه وأسطوله فى بلاد "الإغريق" كانت أساطيل "أكتافيانوس" تتجمع عند "برنديزى" و "وتارنتوم" إذ كانت الإتصالات الدوبلوماسية قد إنقطعت بين الفريقين فإن حملات الدعاية التى كان يشنها كلا منهم إستمرت .
وفى ( أوائل عام 31 ق.م ) ، تولى "أوكتافيانوس" منصب القنصلية للمرة الثالثة وإتخذ "فالريوس" زميلا له ، ولكن يبدوا أن "أنطونيوس" ضرب بهذا القرار عرض الحائط ذلك لأنه وصف نفسه على النقود التى سكها فى ذلك العام على أنه قنصل للمرة الثالثة وعضو الحكومة الثلاثية لوضع أمور الجمهورية "اليونانية" فى نصابها .
وقد حشد "أوكتافيانوس" أسطولا كبيرا مكونا من ( 400 سفينة ) وإستقر الرآى على أن يتولى بنفسه قيادة القوات البرية وعلى أن يتولى "أجريبا" قيادة الأسطول ، ولسنا نعرف تفاصيل الصراع الذى دار بعد أن حشد الفريقان قوتهما ، وإن كنا نعرف أنه فى مستهل (عام 31 ق.م) عندما كانت قوات "أنطونيوس" لا تزال فى معسكرتها الشتوية والطرق البحرية مفتوحة أمام غريمه ليفعل ما بدا له ، هاجم "أجريبا" "البليبونيز" بنصف الأسطول وإستولى على "مثونى" مما أتاح له أن يهدد خطوط إمدادات "أنطونيوس" وأن يغير جهات متعددة من بلاد "الإغريق" ، وتحت ستار هذه المناورات نقل "أوكتافيانوس" قوته ومعداته إلى "أبيروس" وأمرها بالزحف سريعا إلى الجنوب ، أملا فى أن يسبق "أنطونيوس" إلى "رأس أكتيوم" ليتثنى له محاصرة الجانب الأكبر من أسطول غريمه ، الرأس فى خليج "أرثا" الواقع شرقى "رأس أكتوم" وفى تلك الأثناء إستولى "أوكتافيانوس" على جزيرة "قورقيرا" وإتخذها قاعدة لمناوئة أسطول "أنطونيوس" القابع فى خليج "أرثا" ولكن ذلك الأسطول رفض الإشتباك مع "أوكتافيانوس" .
ولما كان "أنطونيوس" قد سبق "أوكتافيانوس" إلى إحتلال "رأس اكتيوم" وأخذ يجمع جيشه هناك فإن قوات "أوكتافيانوس" إحتلت مكانا مرتفعا على الرأس الشمالى المواجه "لرأس أكتيوم" وحصنت مواقعها ومددت الأسوار منها إلى خليج "قوماروس" حيث رسا جانب من أسطول "أكتافيانوس" ولم يلبث "أجريبا" أن إستولى على جزيرة "ليوقاس" والسفن الراسية عندها ، وكذالك على "باتراى" وفيما بعد على "كورثنا" ومن "قورماروس" و"ليوقاس" أخذ يعمل على قفل خليج "أرثا" فى وجه السفن التى تحمل الإمدادات "لأنطونيوس" فبقى أسطوله محصورا فى ذلك الخليج ، وقد إنتقل "أنطونيوس" مع بعض قواته من "أكتيوم" وعسكر أمام "أوكتافيانوس" وحاول تضييق الخناق عليه لكنه فشل فى ذلك ولذلك فأنه قرر وقف الأعمال البرية الحربية لعدم جدواها والإنسحاب إلى "أكتيوم" .
وقد ترتب على التوفيق الذى صادف "أوكتافيانوس" والهزائم التى منى بها "أنطونيوس" فى البر والبحر أن هجر جانب "أنطونيوس" الكثير من الرجال وأمراء الدول الخاضعة له ولذلك أخذ يتشكك فى كل الذين حوله ، وفى تلك الأثناء تفشى المرض بين جنوده وبحارته لأنهم كانوا ينزلون منذ الشتاء فى منطقة واطئة حول خليج "أرثا" كما نقصت المؤنة نتيجة لنجاح العدو فى قطع خطوط الإمداد .
ورغم تفوق "أنطونيوس" إلا أنه نتيجه لتأثير "كليوباترا" عليه قرر أن يكون الفيصل بينه وبين "أوكتافيانوس" معركة بحرية وذلك لإرضاء "كليوباترا" برغم إفتقار سفنه للبحارة وبرغم تفوق أسطول "أوكتافيانوس" تفوقا واضحا .
وتشير المصادر إلا أن "قاينديوس" نصح بإعادة "كليوباترا" إلى "مصر" والإنسحاب إلى "تراقيا" أو "مقدونيه" لخوض المعركة برا ولكن "كليوباترا" أصرت على خوض المعركة بحرا مع أنها كانت تعد نفسها للهرب ، وتصف قواتها لا حيث تساعد على إحراز النصر ، وإنما حيث يمكن إستخدامها بسهولة إذا ما إنتصر العدو ، ويذكر "بلوتارخ" فى موضع أخر أنه لم يكن لد "أنطونيوس" نفسه أملا فى النصر لأنه عندما أراد بحارته ترك أشرعة السفن خلفهم أرغمهم على أخذها معهم قائلا أنه يجب مطاردة العدو بحيث لا يفلت من رجاله أحد ، وتشير القرائن المتعددة على سوء حال قوات "أنطونيوس" و"كليوباترا" وعلى أنه لم يبق أمامهما سوى الإنسحاب ، ومع ذلك فإن "تارن" يرى أن "أنطونيوس" أتفق مع "كليوباترا" على خطتاين كانت إحداهما هى إنزال الهزيمة بقوات "أكتافيانوس" بحرا والأخرى هو الهرب إذا فشلت الخطة الأولى.
19 - موقعة أكتيوم البحرية وهزيمة أنطونيوس : -
وفى ( 2 سبتمبر عام 30 ق.م ) ، عندما هدأ البحر من العواصف وقف "أوكتافيانوس" على رأس أسطوله فى عرض البحر إتجاه "أكتيوم" فى إنتظار تحرك "أنطونيوس" و"كليوباترا" وكان أسطول "أوكتافيانوس" يتألف من قلب وجناحين يتولى هو قيادة الجناح الأيمن بينما يتولى "أجريبا" قيادة الجناح الأيسر ، وعندما تحرك أسطول "أنطونيوس" أتخذ موقفا دفاعيا قويا ، فقد إحتشدت السفن بعضها إلى جانب بعض عند مدخل المضيق بحيث كان الجناحان يرتكزان إلى الشاطئ إذا أن هذا الأسطول أيضا كان يتألف من قلب وجناحين ، يتولى "أنطونيوس" قيادة أيمنهما و"سوسيوس" أيسرهما وأما "كليوباترا" فأنها كانت تقود سفنها وتقف فى المؤخرة .
وحين لاحظ "أكتافيانوس" أن سفن خصمه لم تبعد عن الشاطئ تقدم هو ليوهمها أنه سيشتبك معها فتضطر إلى ترك أماكنها إما بالإنسحاب وإما بالتقدم لملاقاته ، لما لم يحدث شئ من ذلك ، وبقيت سفن العدو حيث كانت ، توقف "أوكتافيانوس" وعندما إنتصف النهار والعدو لا يزال أشد ما يكون يقظة وإستعداد فكر فى وسيلة تمكنه من الإفلات مع أكبر قدر من الأسطول ، ولذلك أمر جناحه الأيسر للتقدم للأشتباك مع جناح "أوكتافيوس" الأيمن وبذلك يخلوا الطريق جنوبا لباقى الأسطول ، ولذلك أمر "أكتافيانوس" الجناح الأيمن بالتقهقر ليسحب العدو مسافة أبعد عن الشاطئ والمضيق ثم يطوقه ، وعلى حين فجأة أصدر أمره إلى جناحيه فتقدما بحركة إتخذت خطوطه بها شكل الهلال ، أملا فى أن يستطيع على هذا النحو تطويق العدو أو إحداث أضطرابات فى صفوفه فيختل نظامها ، وإيزاء ذلك يبدوا أن "أنطونيوس" مد خطوط جناحيه الأيمن ليحبط حركة التطويق ، وإضطر إلى الإشتباك مع خصمه رغما عنه ، وإستمر القتال مدة طويلة .
أما بالنسبة "لكليوباترا" فقد قررت فجأة الهرب وأعطت الإشارة إلى رعاياها أن يتبعوها ، وعندما فرت السفن ظن "أنطونيوس" أن السفن فرت هاربة ، لا بأمر "كليوباترا" وإنما بدافع من الخوف لإعتقادها بأنها هزمت ، ولذلك تبعها هو بنفسه ، وقد لحق "أنطونيوس" إلى "كليوباترا" وإنتقل إلى سفينة قيادتها ، وأرسل "أوكتافيانوس" بعض سفنه لمطاردتها ولكن دون جدوى .
ويحدثنا "بلوتارخ" بأن أسطول "أنطونيوس" قاوم "أكتافيانوس" مدة طويلة ، ولم يكف عن القتال إلا الغروب بعد أن سبب له هياج البحر عطبا شديدا لكنه لم يقتل من رجاله أكثر من 5000 رجل ، وقد كان جيش الفريقين محتشدا على شاطئ البحر يشاهدان سير المعركة دون حراك ، وما كاد القتال ينتهى حتى طلب "أوكتافيانوس" إلى جيش خصمه أن يلقى السلاح ، وقد دامت المفاوضات على شروط التسليم سبعة أيام ، وساعد على نجاحها فرار "قانيديوس" إلى "مصر" وقد أدمج "أكتافيانوس" جنود "أنطونيوس" فى فرقه ، وبعد ذلك أعاد إلى "روما" كبار المحاربين فى الجيش دون إعطائهم شيئا ، ووزع باقى الجيش فى أماكن تفاديا لوقوع فتنة بينهم ، وأرسل أجريبا ليساعد "ميقناس" فى وضع الأمور فى محلها فى "روما" وذهب "أوكتافيانوس" نفسه إلى "أثينا" ثم "ساموس" لكن الجنود القدماء الذين أرسلوا إلى "روما" شعروا بأنهم حرموا أسلاب "مصر" فتذمروا تذمرا شديدا إلى حد أن "أجريب"ا أرسل فى ( يناير عام 30 ق.م ) يطلب من "أوكتافيانوس" بأن يعود إلى "روما" وإستطاع "أكتافيانوس" أن يسترضى الجنود بتوزيع الهبات والأراضى بينهم ، ووعد بنصيب من كنوز "البطالمة" ، ثم عاد إلى "أسيا" مدركا أنه على هذه الكنوز يتوقف مستقبله وكذلك حياته .
وإذا كانت نكبة "أكتيوم" قد حطمت "أنطونيوس" فإنها لم تحتم "كليوباترا" التى دخلت "الإسكندرية" مرفوعة الرأس وقد زينت سفنها بالأكاليل لكى توهم الناس بأنها إنتصرت وفى الحال تخلصت من كل الذين كانت تخشى أن يشعلوا لهيب الثورة عندما تتسرب الأخبار الصحيحة وأما "أنطونيوس" فإنه ذهب إلى "قورنيائية" حيث كان قد ترك أربع فرق لتراقب قوات "أوكتافيانوس" فى شمال "إفريقيا" ولكن هذه القوات رفضت الإذعان له ، وإنضمت إلى "جالوس" قائد "أوكتافيانوس" فعاد "أنطونيوس" إلى "الإسكندرية" ، وهناك كانت "كليوباترا" تفكر فى طريقة للخلاص ، فقد فكرت فى الإنسحاب إلى "أسبانيا" والإستيلاء على مناجم الفضة هناك وتكوين قوات لمحاربة "أوكتافيانوس" ولكنها عدلت عن ذلك ولكنها فكرت فى تكوين دولة جديدة على الشواطئ "الهندية" ، ولذا قررت نقل أسطولها برا من البحر المتوسط ولكنها إضطرت للعدول عن هذه الفكرة عندما إنتهز أمير "النبط" هذه الفرصة للثأر من "كليوباترا" وأحرق السفن التى نقلتها .
وفى تلك الأثناء أصاب "أنطونيوس" حالة من اليأس ، وإنزوى فى منزل قريب من البحر ، ولذلك قررت "كليوباترا" بأن تخرجه من هذه الحالة بإقامة الحفلات والمأدب وقد عاد "أنطونيوس" إلى قصر "كليوباترا" وإستأنفا حياتهما ، ولم يحاول "أنطونيوس" أن يجمع ما تبقى له من فرق ، وأن يدافع عن خط النيل الحصين ، وكان يعرف أن الفرق سوف تبادر بالإنضمام إلى "أوكتافيانوس" كما فعلت فى "أكتيوم" وفى "قورنيائية" و"سوريا" .
ويبدوا أن كل القصص التى تدور على غدر "كليوباترا" "بأنطونيوس" قصص ملفقة ، وذلك وفقا للقرار التى إتخذته أرسلت إلى "أوكتافيانوس" أن تنزع سلاحها وتنزل عن عرشها ، ولكنه أكد لها سرا أنها إن قتلت "أنطونيوس" أو طردته أنه سيعفوا عنها ، ولا يمس مملكتها بسوء وقد عرض "أنطونيوس" على "أوكتافيانوس" أن يقضى على حياته إذا كان ذلك ينقظ "كليوباترا" ، ولكن "أوكتافيانوس" أهمل ذلك العرض .
وفى ( صيف عام 30 ق.م ) ، عندما إحتل "جالوس" "باراتتونيون" زحف "أنطونيوس" ضده أملا فى إستعادة فرقه بالتفاهم أو بالقوة ، لكنه عجز عن الإتصال بجنوده وفشل فى هجومين ضد "جالوس" وكان إحداهما بريا والأخر بحريا ، وعندما علم بأن "أوكتفيانوس" إستولى على "بيلوزيوم" عاد إلى "الإسكندرية".
20 - إنتحار أنطونيوس : -
وفى ( 31 من يوليه ) ، وصلت طلائع فرسان "أوكتافيانوس" إلى ضواحى "الإسكندرية" ، بالقرب من مضمار سباق الخيل ، فقرر "أنطونيوس" ألا يموت دون خوض معركة واحدة ، ولذلك أنه إنقضى على هؤلاء الفرسان وبدد شملهم ، وفى اليوم التالى حشد قواته ، لكن الفرسان والسفن إنضموا إلى "أوكتافيانوس" ، وفى حين أن المشاة بدد شملهم فعاد "أنطونيوس" إلى القصر ، ويحدثنا "بلوتارخ" بأن "أنطونيوس" هاله ما حدث وعزاه إلى غدر "كليوباترا" التى خشيت غضبه وإلتجأت إلى مقبرتها ومعها مصففة الشعر "إيراس" وخادمة مخدعها "خارميون" وأحكمت إغلاقها وأبلغت "أنطونيوس" أنها قضت على نفسها ، ولما كان "أنطونيوس" لم يبق على حياته حتى ذلك الوقت إلا من أجل "كليوباترا" ، فإنه لم يعد هناك مضى لبقاء حياته ، ولذلك أعطى سيفه إلى عبد الأمين "أروس" وطلب منه أن يطعنه به ، لكن "أروس" بدلا من ذلك طعن نفسه وخر صريعا عند قدمى سيده ، فأخذ "أنطونيوس" السيف وبتر بطنه ، غير أنه لم يمت فى الحال ، وبينما كان فى سكرات الموت ، جائته رسالة من "كليوباترا" ليوافيها فى المقبرة ، فألتمس إلى أن ينقل إليها ، وقد نقل فعلا إلى مقبرتها ، حيث شقت ملابسها وندبت وبكت عليه بكائا شديدا وتوفى بين أحضانها كما كان يشتهى ، وقبل أن يلفظ النفس الأخير أوصاها بأن تلتمس النجاة لنفسها إذا أمكنها ذلك دون أن يلحقها أن عار ، وبأن "بوروكوليوس" خير من يمكنها أن تثق فيه من بين كل رفاق "أوكتفيانوس".
21 - دخول أكتافيانوس الإسكندرية : -
فى اليوم نفسه وكان اول الشهر الذى سمى فيما بعد "أغسطس" تخليدا لذكرى "أوكتافيانوس" ، دخل "أوكتافيانوس" "الإسكندرية" دون أى مقاومة ، وفى الحال أصدر أمرا إلى "يروقوليوس" بأن يأخذ "كليوباترا" على قيد الحياة ، فقد كان يريد الحصول على كنوزها وكذلك على شخصها ليزدان به مهرجان إنتصاره ، وعندما ذهب "يروقوليوس" لمقابلتها ، حرصت على ألا تخاطبه إلا من خلف باب المقبرة ، وأصرت على ألا تسلم نفسها إلا بعد إعطاء عرشها إلى أحد أبنائها ، وإذا كان هذا اللقاء لم يسفر عن أى تفاهم ، فأنه أسفر عن أمر هام إذ أنه لاحظ "يروقوليوس" أنه توجد نافذه فى إحدى غرف المقبرة فى الدور العلوى ، ويبدو أن "يروقوليوس" أوهم "كليوباترا" بأنه سوف يذهب ليعرض الأمر على "أوكتافيانوس" ويعود ليوافيها برأيه ، ولكن "يروقوليوس" ذهب لتدبير وسيلة للإستيلاء عليها ، وذلك بأنه عاد إلى المقبرة ومعه أخرون وأبرزهم "جالوس" وحين شغلها الأخر بالحديث خلال الباب ن تسلق "يروقوليوس" وأخرون سلما ودخلوا من النافذة ، فحاولت "كليوباترا" طعن نفسها ، ولكنها منعت من ذلك ونزع سلاحها ونقلت هى وكنوزها إلى القصر ، فتنفس "أوكتافيانوس" الصعداء أخيرا .
وقد سمح "أكتافيانوس" "لكليوباترا" بدفن "أنطونيوس" ، وعفى عن "الإسكندرية" ( إحتراما للإسكند الأكبر ) ومرعاة لجمال المدينة ، وإرضاء لصديقه الفيلسوف "أريوس" ، لكنه أعدم "أنثولوس" إبن "أنطونيوس" ، وكذلك "قيصرون" ، وكانت أمه حاولت إرساله إلى البحار "الهندية" ليكون فى أمان لكنه أصغى بسذاجة إلى نصائح مربيه الغادر ، وعاد إلى "الإسكندرية" ليلقى حتفه.
22 - إنتحار كليوباترا : -
وقد حاولت "كليوباترا" الإنتحار مرة ثانية بالإمناع عن الأكل ، لكن "أوكتافيانوس" نجح لوسيلة تحملها إلى العدول عن ذلك وهى تهددها بقتل أولدها ، وتنهض رغبة "أوكتافيانوس" فى الإستيلاء على "كليوباترا" وهى على قيد الحياة وكذلك حرصه على حياتها بعد ذلك دليلا على صدق ما تذكره المصادر القديمة من أنه كان ينبغى نقلها إلى "روما" ليعرضها فى مهرجان إنتصاره .
ويؤيد ذلك أن "أوكتافيانوس" وقد حرمته "كليوباترا" فرصة تحقيق رغبتها بإنتحارها ، عرض كلا من تمثاليها وإبنيها "إسكندر هيليوس" و"كليوباترا سيلينى" فى مهرجان إنتصاره على "مصر" .
عندما تأكدت "كليوباترا" من أن "أوكتافيانوس" لن يقيم أحد من أبنائها على عرشها وأنه سيقدمها على الإحتفال بها فى "روما" ، تظاهرت بالإستسلام إلى الواقع لكن يتحين لها الإنتحار للمرة الثالثة ونجاح خطتها ، وصممت "كليوباترا" على حرمانه من هذا الفخر وعلى النجاة من هذا الهوان ، وكان لا يوجد طريقة إلا الإنتحار ، فتظاهرت بالإستسلام لمصيرها حتى تخف الرقابة عليها فتضمن النجاة فى محاولتها الثالثة ، وقد لفق الكثير حول الطريقة التى إتبعتها ، لكنه لم يعد اليوم شك فى جوهرها بعد الجدل الذى إحتدم طويلا بين الباحثين حول هذه الوسيلة ، وكانت الخطوة الثانية التى إتخذتها "كليوباترا" لتنفيذ خطتها عى الإستأذان فى تقديم القرابين على مقبرة "أنطونيوس" ، وهناك تضرعت إلى "الألهة" أن يجتمعا فى موتها كما إجتمعا فى حياتها .
وقد إنتهز أحد أتباعه هذه الفرصة وإتفق مع فلاح على إحضار "صل" إلى القصر ، فقد عقدت "كليوباترا" أمالها فى النجاة من الذل والهوان على ذلك الزاحف المقدس الذى كان المصريين يعتبرونه خادم "إله الشمس" ويضعونه رافع الرأس فى تاج رئوس مصر ليحمى سلالة "رع" من كل سوء ، وعندما أحضر الرجل إلى القصر سلة من التين بها الصل المطلوب ، كتبت "كليوباترا" إلى "أوكتافيانوس" تلتمس منه أن يدفنها إلى جانب "أنطونيوس" ، وما أن خلت بنفسها حتى إرتدت سيابها الملكية ووضعت "الصل" على ذراعها فلدغها لدغة قاتلة ( فيما بين اليومين التاسع والعاشر من شهر أغسطس عام 30 ق.م ) وهكذا أنقذت إبنة "رع" نفسها من ان يلحق أعدائها العار بها ، ولم تشأ خادماتها الوفيتان أن تعيشا بعد سيدتهم .
ومهما تكن أخطاء "كليوباترا" وجرائمها ، وهما تختلف أسلحتها عن أسلحة الرجال ، فإنها كانت ملكة طموحة شجاعة وأبية ووفية ، ولم تثر فى" روما" العظيمة شعور الكراهية فحسب ، بل كذلك شعور الخوف منها .
ولا أدل على ما أثارته "كليوباترا" من هلع وخوف فى نفوس "الرومان" مما أثبته "أغسطس" فى الوسائق الرسمية أنه يوم دخول "الإسكندريةط أنقذ روما من أشد المخاطر هولا ، ومن أن "السناتو" إعتبار ذلك اليوم عيدا وطنيا وبداية للتقويم المحلى .
23 - المراجع : -
1 - تاريخ مصر "اليونانية" "الرومانية" ، د / "منى محمد جاب الله".
2 – تاريخ "مصر" فى عصر "البطالمة" ، الجزء الأول ، د / "إبراهيم نصحى".
2 - "مصر" من "الإسكندر" الأكبر إلى الفتح "العربى" ، د / "مصطفى العبادى".
4 - دراسات فى تاريخ وحضارة "البطالمة" ، د / "عاصم أحمد حسين".
5 - بحث "جوجل" ، "ويكبيديا" الموسوعة الحرة.
6 - بحث "جوجل" الخاص بالصور ، صور "كليوباترا" السابعة.
يعتبر "بطليموس" "أولتيس" – "الزمار" – من أسوء ملوك البطالمة فقد كانت قدرته السياسية محدودة مما أدى إلى خضوعه لروما ولسياستها طلبا للحماية كما بدد جانب كبير من ثروته فى سبيل الإعتراف الرومانى به ملكا على مصر ، كما إستدان فى سبيل إعادته إلى العرش .
توفى "بطليموس" الثانى عشر ( الزمار ) وترك خلفه إبنتين ، هما "كليوباترا" "وأرسينوى" وولدين ، هما "بطليموس" الثالث عشر و"بطليموس" الرابع عشر ، وكانت "كليوباترا" تبلغ عندئذ الثامنة عشر تقريبا ، وتصغر عن "أرسينوى" بفترة تتراوح بين سنة وأربع سنين ، وكان أحد الإبنين يبلغ العاشرة تقريبا والأخر الثامنة ، وقد أوصى "بطليموس" الثانى عشر أن يخلفه على العرش أكبر ولديه "بطليموس" الثالث عشر ، على أن يتزوج أكبر أختيه "كليوباترا" السابعة ويشتركا فى الحكم سويا ، وكان "بطليموس" الثانى عشر يعرف مقدار كراهية السكندريين له وعدم إحترامهم وصيته فعهد إلى الشعب الرومانى فى الشراف على تنفيذ الوصية وبعث ببعثة إلى "روما" لكى توضع الوصية هناك فى السجلات العامة لكن الإضرابات فى "روما" حالت دون ذلك فأودعت لدى "بومبى" ، كما أودعت صورة أخرى فى "الأسكندرية" لكى لا يتصرف الرومان فى تنفيذ الوصية كما يشائون ، كان "بوثاينوس" ( potheinos ) وزير المالية ومربى الملك ، وكان الوصى على الملك لحداثة سنه ، وأيضا ممن كان يتمتع بنفوذ كبيرة أنذاك "ثيودوتوس" ( theodotos ) ، أستاذ الخطابة ومعلم الملك الصغير ، و"أخيلاس" ( achillas ) قائد الجيش ، وكانوا جميعا فى البلاط الملكى وكلهم يتطلعون إلى المجد والسيطرة والإستئثار بالسلطة ، فى حين أن "كليوباترا" كانت تتوق إلى التمتع بالحكم ، وتبعا لذلك فأنه كان من المحتم وقوع النزاع بين الفريقين .
ولعب الأوصياء دور كبير فى طرد "كليوباترا" من القصر الملكى عام 48 ق.م ، وبسبب الصراع بين الطرفين عمت الفوضى فى جميع أرجاء البلاد وقد ساعد على زيادة هذا الإضطراب إنخفاض منسوب النيل فى ذلك الوقت مما أزعج حكومة الوصاية إزعاجا شديدا ، وفى ( عام 48ق.م ) حث "بوثنيوس" الملك على تولى السلطة منفردا ونصحه بطرد "كليوباترا" من الحكم ونفيها خارج "الإسكندرية" ولتحقيق هذا إتهمها "بوثنيوس" بالخضوع للرومان ومحاولة إغتصاب العرش لها وطرد أخيها وبذلك أغضب الملك والسكندريين عليها ، إضطرت "كليوباترا" إلى الهروب من "الإسكندرية" ولم ترجع مرة أخرى إلا مع وجود "قيصر" فى "الإسكندرية".
2 - الحروب الأهلية فى روما : -
وقد حدث ذلك النزاع العنيف فى "الاسكندرية" خلال الوقت الذى كانت تجتاز فيه "روما" أزمة حروبها الأهلية ، أذ أنه منذ أن أعاد "جابينيوس" ( الزمار ) إلى عرشه لم تنقطع الفوضى عن الإزدياد باطراد فى "روما" ، ذلك بالرغم من تجديد المحالفة السياسية الأولى فى ( عام 56 ق.م ) ، فأن شعب "قلوديوس" والمكانة المتزايدة التى أكتسبها "قيصر" نتيجة لإنتصاراته فى بلاد "الغال" أبعدا "بومبى" تدريجا عن حزب الشعب ، وقد ساعد على فصم عرى المحالفة الثلاثية وفاة "يوليا" زوجة "بومبى" وأبنة "يوليوس قيصر" فى ( عام 54 ق.م ) ، ومصرع "قراسوس" فى خلال محاربة "البارثيين" فى ( عام 53ق.م ) فكان يتعين على "بومبى" أن يعد نفسه على أن يواجه وحيدا منافسه "قيصر" فى القريب العاجل ، عقب أنتهاء مدة حكمه فى الخارج ( أول مارس عام 49 ق.م ) ، ولم يكن فى وسع "قيصر" الإحتفاظ بنفوذه إلا أذا إستبقى جيشه وحصل على منصب القنصلية ، ولكنه كان لابد من أن تنقضى بين أنتهاء مدة حكمة فى الخارج وبين الإنتخابات لمنصب القنصلية بضعة أشهر ، كان من الممكن أن تقع فيها "لقيصر" أحداث خطيرة ، وأذاء ذلك طلب "قيصر" السماح له بترشيح نفسه لقنصلية العام التالى ( عام 48 ) ، وكذالك بالبقاء فى ولايته حتى تتم الأنتخابات ، لكن "السانتو" رفض إجابة ما طلبه "قيصر" ، وعهد إلى "بومبى" بالدفاع عن سلامة البلاد ، فكان أمام "قيصر" أن يختار بين أحد أمرين ، أما الأنتحار السياسى وأما محاربة "بومبى" "والسانتو" ، ولم يتردد دون شك فى أختيار المكان الثانى ، وفى (11 من يناير عام 49 ق.م) ( تساوى 24 من نوفمبر عام 50 وفقا للتقويم الرومانى بعد أن صححه "قيصر" ) وقعت الواقعة بزحف "قيصر" على "روما" .
وهكذا بدأت الحروب الأهلية التى دامت أكثر من عشرين عاما وجرت إلى الحرب "مصر" وعالم البحر المتوسط بأجمعه ، وخرجت "روما" سيدة إمبراطورية أوسع من أمبراطوريتها الأولى ، ولديها أخيرا نظم أكثر تناسبا مع سيادتها العالمية ، لكنه قبل ذلك هددت المخاطرة قوة "روما" فى أثناء هذه الأزمة ، عندما أصبحت "الأسكندرية" مقر أمبراطورية تنافس أمبراطورية "روما" ، وذلك بعد أن كادت "مصر" منذ برهة وجيزة أن تصبح ولاية رومانية ، ووصلت مكانة أسرة "البطالمة" إلى الحضيض ، حتى بدا محققا أنها ستزول فى ظرف سنين قلائل ، كما زالت من قبل أسرة "السلوقيين" غير أن القدر شاء أن تشرق شمس "البطالمة" إشراقا يخطف الأبصار قبل أن تغيب إلى الأبد ، فكان إشراقا يشبه صحوة الموت ، إذ أنه عندما كانت دولة "البطالمة" تعالج سكرات الموت وجدت "كليوباترا" السابعة سلطانها لا يمتد على ممتلكات "البطالمة" القديمة فحسب ، بل كذالك على أقاليم لم يحلم بها أحد من "البطالمة" الثلاثة الأوائل ، ولما كان أولئك "البطالمة" الأوئل رجالا ، فأنهم أقاموا دعائم إمبراطوريتهم على قوة سواعدهم ، ولكن الأن عندما لم تعد لقوة "مصر" الحربية قيمة تذكر إلى جانب قوة "روما" ، وعندما لم يعد فى وسع أى ملك متربع على عرش "مصر" إنقاذ دولته المتداعية بأية قوة يملكها ، كان القابض على صولجان "مصر" إمرأة ، وضعتها ظروف قاسية فى قبضة ذئبان من ذئاب "روما" ، ولكنها بفضل ذكائها وسحر فتنتها تمكنت من أن تتخذ من قوة "روما" أداة لتنفيذ أغراضها ، فلا عجب أن إسترعى تاريخ "كليوباترا" السابعة أكثر من أى تاريخ أى فرد أخر من أسرة "البطالمة" أفكار أجيال من الأدباء والشعراء .
3 - مصرع بومبى : -
عندما إضطرت "كليوباترا" إلى الفرار من مملكتها ، لم تهدأ بل قامت بتجنيد فرق من الأعراب المتاخمين للحدود الشرقية ، وكانت تتكلم لغتهم ، وأسرعت إلى دخول "مصر" ثانية على رأس جيشها ، فجمع أوصياء الملك القوة اللازمة وإتجهوا شرقا ومعهم الملك الصغير لصد "كليوباترا" ، وفى صيف ( عام 48 ق.م ) كان الجيش الملكى بقيادة "أخيلاس" معسكرا عند رأس "قاسيون" شرقى "يلوزيون" ، ومعسكر "كليوباترا" على مسافة صغيرة من معسكر أخيها ، شوهد وصول السفينة التى تحمل "بومبى" ، إذ أنه عقب هزيمته فى موقعة "فارسالوس" فى العام نفسه فقد ثقته بنفسه وفر هاربا ، تاركا "قيصر" يتم إنتصاره على ما تبقى من فرقه .
إستبقى "بومبى" سفينته والسفن التى ترافقه بعيدا عن الشاطئ ، وبعث رسلا يلتمسون ضيافة الملك ، لكنهم إرتكبوا خطأ كبيرا بالتحدث إلى بعض جنود "جابينيوس" وحثهم على أداء واجبهم نحو "بومبى" وعدم إزدراء سوء حظه ، فأقلق ذلك بال "بوثاينوس" وعقد مجلسا للتشاور فى هذه المسألة ، وقد صدق "بلوتارخ" بأن مصير "بومبى" أصبح متوقفا على القرارات التى يتخذها مجلس يضم خدما وحشما والخصم "بوثاينوس" ومعلم الخطابة المأجور "ثيودوتوس" و المصرى "أخيلاس" .
وقد إنقسمت الأراء فى المجلس بين تحقيق رغبة "بومبى" ورفضها إلى أن تكلم "ثيودوتوس" وأقنع المجتمعين برأيه ، ويؤدى تحقيق رغبة "بومبى" إلى إتخاذ "قيصر" عدوا لهم و"بومبى" سيدا لهم ، وإن رفض هذه الرغبة يجلب عليهم غضبه وغضب "قيصر" الذى سيضطر إلى مطاردته ، وأن الخطة المثلى هى أن يأتون به ويجهزوا عليه .
ويصف لنا "بلوتارخ" خاتمة "بومبى" وصفا مؤثرا ، على أنه عهد إلى "إخيلاس" بقتل "بومبى" ، إستقل زورقا ومعه ثلاثة أو أربعة من خدمه ، و"سالفيوس" قائد إحدى الكتائب ، و"سبتيميوس" وكان من رجال "جابينيوس" وخدم تحت قيادة "بومبى" ، وإتجه الزورق صوب سفينة "بومبى" ، ودعوه إلى ركوب الزورق معتذرا بأن الشواطئ رملية ولا تسمح للسفن الثقيلة بالإقتراب .
وقد دهش "بومبى" لهذه الإستعدادات المتواضعة ، لكنه قبل بها ونزل معهم فى الزورق ، مع إثنين من قادة الكتائب ومعتوقه "فيليب" وتابعه ، وفى أثناء إقترابهم من الشاطئ ، ومغادرة الزورق أمسك بيد "فيليب" ليقف ، عندئذ طعنه "سيتيميوس" "وسالفيوس" "وأخيلاس" من الخلف بخناجرهم ، وقد قطعت رأسه ورميت الجثة على الشاطئ ، حيث حرقها "فيليب" وجندى رومانى عجوز قد خدم فى شبابه تحت قيادة "بومبى" .
4 - وصول قيصر إلى مصر : -
صمم "قيصر" بعد إنتصاره فى معركة "فارسالوس" القضاء على "بومبى" قبل أن يتمكن من إعادة بناء قوته ، ولذلك عندما سمع "قيصر" وهو فى أسيا أن "بومبى" غادر "قبرص" رجح أن يكون قد إتجه إلى "مصر" بسبب صلة الأخير بحكامها ، وخاف "قيصر" من ذلك لأن "بومبى" بإحتلاله "لمصر" استطاع إستعادة قوته مرة أخرى ، ومن ثم أسرع "قيصر" إلى "مصر" أملا فى منع "بومبى" من تحقيق هدفه ووصل إلى مناء "الأسكندرية" يوم ( 2 أكتوبر عام 48 ق.م ) وصل "قيصر" إلى ميناء "الإسكندرية" ، قبل أن يبلغه خبر موت "بومبى" ، وحرص على أن يستطلع الحال قبل الننزول للبر ، فقد كانت "مصر" رسميا حليفة "لبومبى" وتبعا لذلك عدوة "قيصر" ، ومن المنتظر أن "بومبى" وضع خطة للدفاع عن "الإسكندرية" بعد إلتجائه إليها ، فى حين أن قوة "قيصر" كانت تتألف من 34 سفينة 800 فارس و3200 من المشأة ، وإعتقد رجال البلاط أنهم بقطع رأس "بومبى" قد أثبتوا "لقيصر" أنهم قطعوا علاقتهم بأعدائه ، فلا يوجد داعى لغزوا "مصر" بإعتبارها حليفتهم ، وعندما علم رجال البلاط بقدوم "قيصر" ، قام "ثيودوتوس" إلى سفينته حاملا رأس "بومبى" وخاتمه ، فأغضب هذا "قيصر" ، وأخذ الخاتم وأمر بإحراق الرأس وأودعها هيكلا أقامه لالهة الإنتقام "نمسيس" ، وبدلا من أن يحقق أمال أهل البلاط وينصرف عن "الإسكندرية" ، دخلها وسار فى طرقاتها تحفه شارات الحكم الرومانية بوصفه قنصلا ، وإتخذ قصر "البطالمة" مسكنا له .
ولم يكن هذا التصرف تصرفا حكيما ، إذ أنه كان بمثابة إعتبار "مصر" رلاية رومانية و"الإسكندرية" مدينة مقهورة ، وأهالى "الإسكندرية" لم ينسوا أن "قيصر" كثيرا ما طالب بضم مصر إلى الإمبراطورية الرومانية ، وكان فى إعتقاد "السكندريين" أنه جاء غازيا ليرغم ملكهم على دفع ما تبقى له فى ذمة أبيه ، ومعنى ذلك أن يتحمل الأهالى ضرائب جديدة فنشأت إصطدمات عنيفة بين "السكندريين" وجنود "قيصر" .
5 - إستدعاء قيصر لكليوباترا وأخيها للفصل فى نزاعهم وإغواء كليوباترا لقيصر وكسب قلب قيصر : -
من ثم تذكر "قيصر" أن "بطليموس" "الزمار" قد إلتمس من "روما" تنفيذ وصيته ، فأمر الملك والملكة بتسريح جيوشهم والحضور إلى "الإسكندرية" للفصل فى نزاعهم ، ولم يطع "بوثاينوس" الأمر كاملا ، إذ أنه أعاد الملك الصغير إلى "الإسكندرية" ، لكنه ترك الجيش عند "بلوزيون" بقيادة "أخيلاس" .
وأما "كليوباترا" فأعربت عن رغبتها بإطاعة أوامر "قيصر" لأن التحكيم كان أيسر السبل لاسترداد الحقوق لمن كان فى مثل حالتها ، ولا سيما أن الوسطاء الذين كانت تتفاهم عن طريقهم مع "قيصر" أكدوا لها ، أن هذا الدكتاتور يحب النساء.
وكان يتعذر عليها أن تتخطى الحدود جهرا لتصل إلى "الإسكندرية" سالمة أمنة دون أن يدبر رجال البلاط قتلها ، فركبت البحر خفية ومعها كاتم أسرارها "أبولودوروس" الصقلى ، وذات مساء حملها قارب صغير إلى القرب من القصر الملكى وكان يطل على البحر ، وهربها "أبولودوروس" داخل القصر ملفوفة فى سجادة ، وما أن ظهرت "كليوباترا" فجأة من سجادتها أمام "قيصر" ، حتى إستولت عليه منذ هذه الحظه .
وفى اليوم التالى أرسل "قيصر" فى طلب الملك الصغير للتوفيق بينه وبين أخته ، ولكن الصبى ما كاد أن يرى أخته حتى إستولت عليه عاصفة من الغضب ، وقذف بتاجه إلى الأرض وجرى فى الشوارع يصرخ من الخيانة ، وقد أعاد جنود "قيصر" الملك إلى القصر ، ولكن صرخاته أثارت إضطراب كبير بين "السكندريين" فحاصروا القصر ، وكان لا يوجد إلا قليلا من الجنود للدفاع عن القصر ، فاضطر "قيصر" إلى الظهور أمام الجماهير والتحدث إليهم ، ووعدهم بأن يعمل لهم إجتماع عاما للشعب ، وأن يقرأ أمام "بطليموس" و"كليوباترا" وصية أبيهم ، وبعد ثلاثة أيام دعى الشعب إلى الإجتماع أمام "الجومنازيوم" ، وقرأ قيصر وصية "بطليموس" "الزمار" ، وكانت تقضى بأن تحكم مصر "كليوباترا" وأكبر أخويها ، وبأن ترعى "روما" تنفيذ هذه الوصية ، وعلى هذا النحو أوضح "قيصر" حقه فى التدخل فى هذا النزاع وإنطباق قراره على الملك الراحل ولكى يخلد "السكندريون" إلى السكينة ، وعدهم "قيصر" بإعادة "قبرص" إلى "مصر" ، ليتولى حكمها "أرسينوى" وأصغر أبناء "بطليموس" "الزمار" ، وهكذا هدأت "الإسكندرية" وتم الوفاق بين "كليوباترا" وأخيها وفقا لرغبة "قيصر" وتنفيذا لوصية أبيها ، وأقيم حفلا كبيرا بهذه المناسبة .
6 - حرب الأسكندرية عام 48 ق.م وحريق المكتبة الكبرى :-
وكان من الممكن أن يدوم هذا الحال ، لو أن "بوثاينوس" وعصابته الذين فشلت خطتهم ، وأخذوا يلهبون مشاعر "السكندريين" ، بتذكيرهم بالديون وبأن "قيصر" قد جاء يطالبهم بها وليس ليحل الخلاف بين الأخوين ، وفى نفس الوقت عمل "بوثاينوس" على مضايقة الجنود الرومان بعدم إعطائهم سوى القمح القديم الفاسد ، وقام فى المأدب العامة بإستخدام صحاف من الخشب والفخار بحجة أن "قيصر" إستولى على كل الصحاف المصنوعة من الذهب والفضة وفاء لدينه ، وذهب "بوثاينوس" فى متابعة سياسته فى حب نهب المعابد زاعما بأنه لم يضطره إلى ذلك إلا الإستجابة إلى مطالب "قيصر" الملحة بعد أن أصبحت الخزانة العامة خاوية ، وكا قصده من ذلك إثارة عواطف "المصريين" الدينية لعدم إهتمامهم بالمشاكل السياسية .
وعندما إستوثق من مشاعر "السكندريين" ، طلب من "إخيلاس" الزحف على "الإسكندرية" بجيشه ، فترك "أخيلاس" فى "بلوزيون" حامية كافية لمنع جنود "قيصر" فى "آسيا" من دخول "مصر" ، وزحف إلى "الإسكندرية" بقوة تتألف من 20000 من المشاة و2000 من الفرسان ، وسرعان ما وجد "قيصر" نفسه وجنوده القليلين محاصرين فى مدينة كبيرة معادية لهم ، فطلب "قيصر" من "بطليموس" الثالث عشر أن يأمر بوقف تقدم الجيش ، وقد إستجاب الملك إلى هذا الطلب وكلف رسولين بإبلاغ هذا الأمر إلى "أخيلاس" ، ولكن هذا القائد قام بقتل رسول وجرح الأخر جرحا خطيرا ، وهكذا بدأت فيما نعتقد فى ( أواخر أغسطس أو فى أوائل أكتوبر عام 48 ق.م ) الحرب التى عرفت فيما بعد بحرب "الإسكندرية" .
وتقدم "أخيلاس" وتوقع نصرا سهلا فى هذه المعركة لقلة عدد جنود "قيصر" ، وبالفعل إستطاع هذا القائد بمجرد وصوله إلى "الإسكندرية" من الإستلاء عليها ورغم ذلك فشل فى إقتحام الأماكن التى تحصن بها "قيصر" فإضطر إلى محاصرتها .
ورأى "أخيلاس" أن فرصة النجاح قد تكون كبيرة ، لو نجح فى الإستيلاء على الميناء والسفن الراسية به ، حيث بذلك يستطيع أن يقطع الإمدادات عن "قيصر" وجنوده ويضطرهم إلى الإستسلام ، ولكن "قيصر" تنبه إلى ذلك وأمر بإحراق السفن التى كانت فى الميناء على الفور ، وكان يوجد فى الميناء 72 سفينة وفى الأحواض 38 سفينة ، وإمتدت ألسنة النيران إلى الأرصفى فأحرقت كمية كبيرة من القمح ، كما إمتدت النيران إلى المكتبة الكبرى بالإسكندرية فأحرقتها .
وفى هذه الأثناء أرسل "قيصر" إلى ( "رودس" ، و"سوريا" ، و"قيلقيا" ، و"كريت" ) يطلب الإمدادات وأثناء ذلك إكتشف "قيصر" المراسلات السرية التى كانت قائمة بين "بوثينيوس" رغم وجوده فى قبضته و"أخيلاس" قائد الجيش ، التى يشجعه فيها على الإستمرار فى حربه على "قيصر" فقام "قيصر" بإعتقاله وثم قام "قيصر" بإعدام هذا الوصى .
أثار إعدامه إضطرابا شديدا بين "السكندريين" كما زاد من حقدهم على "قيصر" فقاموا بقطع إمدادات المياه عن "قيصر" وجنوده ، مما وضعه فى موقف صعب ، وتغلب على هذه الأزمة الشديدة بحفر أبار أمدتهم بالماء اللازم .
فى هذه الأثناء تمكنت الأميرة "أرسينوى من الهرب من القصر الملكى مع مربيها الوصى "جانبيدس" إلى معسكر "أخيلاس" وهناك تم إعلانها ملكة وكان هذا الحدث سببا فى إقامة "المصريين" بمواصلة الحرب ضد "قيصر" بحماس أكثر نظرا لأنهم الأن ملكوا ممثلا شرعيا لأسرة "البطالمة" .
إنضمت "أرسنوى" إلى القائد "أخيلاس" ولكنها إعتزمت أن تدير شئون الحرب معه ، ولكنه لم يبدى أى رغبة فى التخلى عن القيادة العليا للجيش ، وهكذا نشب النزاع بين "أرسينوى" و"أخيلاس" وتأمر كل فريق على الأخر لكى يحصل على السلطة العليا لنفسه ، ولكن "أرسينوى" نجحت فى القبض على "أخيلاس" وأمرة بإعدامه ، مما أدى إلى أن تأول قيادة الجيش إلى الوصى "جانبيدس" وبعد أن ألت قيادة الجيش إلى هذا الوصى تابع بدوره الحرب على "قيصر" .
وفى أثناء هذا الصراع تمكن "قيصر" من الإستيلاء على جزيرة ( فاروس ) ولكنه فشل فى الإستيلاء على الجسر الواصل بين هذه الجزيرة وبين "الإسكندرية" ، وفقد فى هذا الهجوم حوالى 400 جندى بل أنه كاد أن يفقد حياته ، فقد ذكرت المصادر القديمة أنه ألقى بنفسه فى البحر وتمكن من السباحة حتى وصل إلى مركب شراعى صغير ، ثم خلع عبائته وأخذ يسبح بيد واحدة بينما مسك بيده الأخرى لفافة من الورق وحفظها دون أن تبتل ، ولكن عبائته وقعت فى أيد أعدائه الذين رفعوها دليلا على إنتصارهم عليه .
وفى المراحل الأخيرة من الحرب طلب "السكندريون" من "قيصر" أن يرسل لهم الملك الصغير ، نظرا لأنهم ضاقوا بوحشية "جانبيدس" كما ضاقوا أيضا بحكم "أرسينوى" ونزواتها وأجاب "قيصر" "الإسكندريين" إلى طلبهم وأرسل إليهم الملك ، ولكنهم بمجرد أن إنضم إليهم الملك الصغير تابعوا الحرب ضد "قيصر" بحماس شديد ، وفى تلك الأثناء وصلت التعزيزات إلى "قيصر" وفى المعركة الحاسمة إنتصر "قيصر" وهزم الملك وجيشه وقد حاول هذا الملك وعدد من جنوده الهرب من المعركة عبر البحر ، لكن الملك غرق وعدد كبير ممن كان معه .
إنتهت حرب "الإسكندرية" فى منتصف ( يناير عام 47 ق.م ) الذى ثبت قبل رحيله عن "مصر" "كليوباترا" وأخيها الأصغر "بطليموس" الرابع عشر على عرش مصر وبعد عودة "قيصر" إلى "روما" إحتفل بأربع إنتصارات هى كالأتى :ـ
إنتصاره فى حرب "الإسكندرية" .
إنتصاره فى الحروب "الغالية" .
إنتصاره على "فارناقوس" .
إنتصاره على أعدائه فى "إفريقيا" .
وفى مواكب الإحتفالات مثلت تلك الحروب ، وكذالك الرجال بتماثيل وصور متنوعة ومن بينهم صور ( "بوثينيوس" ، "أخيلاس" ).
7 - كليوباترا ويوليوس قيصر : -
بعد إنتصار "قيصر" ودخول "الإسكندرية" قام بتنفيذ الوصية دون أى تعارض من أى أحد أبدا عليه ، وقام بوضع "كليوباترا" على عرش البلاد بإشراك معها "بطليموس" الرابع عشر فى الحكم وقام بإبعاد أختها "أرسينوى" عن الحكم مطلقا لكى لا يقوم بينها وبين أختها منازعات من جديد فى مسألة الحكم أو غيره ، وتدعيما لموقف "كليوباترا" السابعة ، وترك "قيصر" قبل رحيله عن مصر ثلاث فرق عسكرية رومانية فى "مصر" .
وبرغم بقاء "قيصر" هذه المدة كلها فى "مصر" وبرغم أن الحالة الإمبراطورية الرومانية كانت تحتم عليه الرحيل فورا إلا أنه قد قضى الربيع مع "كليوباترا" بعد ما لاقاه من أهوال حرب "الإسكندرية" لذلك بقى إلى جانب "كليوباترا" ثلاث أشهر أخرى تقريبا ، قام معها فى أثنائها برحلة نيلية إلى الصعيد ، وبعد أن إستولى بدون شك على كل ديونه ، غادر "مصر" بحرا فى ( عام 47ق.م ) إلى "سوريا" متجها إلى "أسيا" الصغرى .
وفى ( عام 47 ق.م ) أنجبت "كليوباترا" طفلا صغيرا أطلقت عليه أسم ( قيصر ) ولكن "السكندريين" أطلقوا عليه إسم التصغير ( قيصرون ) ربما كان ذلك لأن "كليوباترا" لم تعتبر نفسها خليلة "قيصر" بل زوجته وبمناسبة ميلاد إبنها أمرت بزخرفت معبد "أرمنت" وسجلت على جدرانه أنها أنجبت "قيصرون" من ( آمون رع ) الذى خالطها فى صورة "قيصر".
8 - إنتصارات قيصر بعد حرب الإسكندرية : -
عندما كان "فرناقس" ملك "القرم" قد إنتهز فرصة الحروب الأهلية وحرب "الإسكندرية" لنشر نفوذه فى "أسيا" الصغرى فقد شن عليه "يوليوس قيصر" حملة لم تستغرق أكثر من خمس أيام للقضاء عليه ولقى "فرناقس" حتفه ، فأسند "قيصر" مملكة القرم إلى ( ميثريداتس البرجامى ) مكافأة له على خدماته ، ومن ثم سارع "قيصر" إلى "روما" حيث إستطاع أن يقضى على القلائل التى كانت تعانى منها "روما" وعلى الفتنة التى وقعت بين فريق ( كمبانيا ) .
وعندما وضع "قيصر" الأمور فى نصابها فى "روما" جهز حملة للقضاء على القوات المعادية له التى أعيد تكوينها فى شمال "إفريقيا" وقت دامت هذه الحملة حتى (صيف 46 ق.م) وإكتسب "قيصر" مجدا جديدا وسلطات جديدة بفضل إنتصاره على أعدائه وحليفهم "يوبا" ملك "نوميديا" ، كان "قيصر" ما يزال فى "الإسكندرية" عندما منح الدكتاتورية لعشر سنوات ، ومنصب المشرف على الأخلاق ، ووضعت عجلة الحربية فوق "الكابيتول" فى مواجهة "جوبيتر" وأقيم تمثاله من البرونز يمثل العالم ويحمل نقشا يدعوه بنصف إله .
وعندما أصبح "قيصر" على هذا النحو سيد العالم ، ذهبت "كليوباترا" السابعة إلى "روما" ومعها أخوها "بطليموس" الرابع عشر وأدمجها "قيصر" فى عداد حلفاء وأصدقاء الشعب الرومانى ، ومن المحتمل أن "كليوباترا" كانت فى "روما" فى شهر ( سبتمبر عام 46 ق.م ) .
وقد أسكن "قيصر" "كليوباترا" وأخيها وحاشيتها فى قصره عبر نهر "التيبر" ، ولكن الظروف أرغمت "قيصر" على الإبتعاد عن "كليوباترا" ثانية بسبب إظطراب الأحوال فى ولاية "أسبانيا" نتيجة لسوء تصرفات حكامها ، ونشاط أخر أعوان "بومبى" الذين تجمعوا فى "أسبانيا" إضطر "قيصر" إلى ترك "روما" فى ( أواخر نوفمبر عام 46 ق.م ) وخاض أخر معركة فى (مارس عام 45 ق.م) وقضاء بضعة شهور هناك بعد ذلك لوضع الأمور فى نصابها ، وعاد فى ( أكتوبر عام 45 ق.م ) "لروما" .
وقد أغضبت تصرفات "كليوباترا" السابعة وكبريائها النبلاء الذين أذل الحرص أعناقهم ، فلم يكتفوا بالسعى إلى "قيصر" بل أخذوا يترددون على مجالسها ويصف "شيشرون" فى أحد خطاباته الطريقة المشينة التى عاملته بها "كليوباترا" وأتباعها .
أما بالنسبة "لقيصر" كان يتمتع بسلطات مطلقة لا تستقيم مع نصوص الدستور الجمهورى ، ولا مع التقاليد الرومانية ولتنفيذ أوامر "قيصر" أعتمد على مجلس "السناتو" الموالى له ، وتشير المصادر إلى مظاهر التشريف التى أغضقت عليه ورفعته إلى مكانة كبير "الآلهة" (جوبيتر) فأصبح الرومان يدعونه ( جوبيتر يوليوس ) وعين ( أنطونيوس ) كاهنا "لقيصر" بذات اللقب الذى يميز كهنة "جوبيتر" .
وتحدثنا المصادر القديمة على إقامة معابد كثيرة "لقيصر" وعن إقامة تماثيله جمبا لجمب التماثيل المقامة للألهة فى المعابد ، وعن حمل تمثال "قيصر" وسط تماثيل "للألهة" فى كل مهرجانات الألعاب الكبرى وفى ( عام 45 ق.م ) نقش بأمر "السناتو" لأول مرة على العملة الرسمية الرومانية صورة بشر على قيد الحياة وهو "يوليوس قيصر" ، ويتضح من تصرفات "قيصر" بعد عودته من "مصر" أنه كان يسعى سعيا حثيثا على أن يقيم فى "روما" ملكية من الطراز "الهلينيستى" أى ملكية تقوم على حق الملوك "الإلهى" .
وعندما أجهز الجمهوريين على "قيصر" أجهزوا أيضا على الأمال التى كانت "كليوباترا" تعتقدها ومن ثم فإن مركزها فى "روما" أصبح محفوفا بالمخاطر ، ولذلك فرت "كليوباترا" إلى "مصر" فى ( أوائل شهر إبريل ) .
وبعد عودة "كليوباترا" من "روما" بقليل أشركت إبنها معها فى الحكم وعملت على أن يعترف به الرومان أو على الأقل أنصار "يوليوس قيصر" ملكا شرعيا ونجد فى معبد "دندرة" "كليوباترا" فى صورة "الإلهة" المصرية "حتحور" ومعها إبنها "قيصرون" فى شكل فرعون ومع ذلك فإن "كليوباترا" لم تؤرخ الوثائق بسنى حكم إبنها ، ويقول المؤرخ "يوسف" "اليهودى" أن "بطليموس" الرابع عشر توفى فى "الإسكندرية" مسموما فى الخامسة عشر من عمره .
9 - الأوضاع فى روما بعد مصرع قيصر : -
عقب مصرع "قيصر" تمكن ( مارك أنطونيوس ) من السيطرة على ناصية الأمور فى "روما" ولكنه كان يجب عليه أن يتفق مع "قيصر أوكتافيوس" وكان حفيد الأخت الصغرى "لقيصر" وبمقتضى وصية أبنه بالتبنى ووريثه وكما كان من العسير التوفيق بين أطماع "مارك أنطونيوس" وأمال "قيصر أوكتافيوس" فإن العلاقة بينهم فسدت إلى حد الإصطدام بالسلاح وكان النصر "لأوكتافيوس" عند "موتينا" فى ( إبريل عام 43 ق.م ) ولكنه بعد هذا النجاح إرتكب "السناتو" الخطأ نفسه مع "أوكتافيوس" الذى إرتكبه فيما مضى مع "بومبى" و"قيصر" حيث لم يسمح "لأوكتافيوس" بترشيح نفسه فى القنصلية ، وكان من جراء ذلك أن "أوكتافيوس" زحف على "روما" بجيشه وأنتخب قنصلا فى ( 19 من أغسطس عام 43 ق.م ) ولم يلبث إلى أن تقرب إلى "أنطونيوس" وحليفه "ليبدوس" حاكم ولايتى "الغال" "وأسبانيا" القريبة ، وتم تكوين الحكومة الثانوية الثانية ، والتى إستمرت حتى ( يناير عام 37 ق.م ) وقد تبع ذلك إعدام المغضوب عليهم وكان " شيشرون " من بينهم الذى أعدم لدفاعه عن الجمهورية ، وهجومه على "مارك أنطونيوس" الذى إتهمه بمحاولة إقامة دكتاتورية عسكرية ، فى أثناء هذه الأحداث قبعت "كليوباترا" تترقب نتائج الصراع على السلطة فى "روما" دون أن تدلى بمدلولها لصالح أنصار "قيصر" .
10 - أنطونيوس : -
وقد كان "أنطونيوس" ينتمى إلى أسرة شعبية قديمة أنجبت للإمبراطورية الرومانية بعض الرجال المتميزين ، لكننا لا نعرف شيئا عنه إلا من ناقديه ، وخاصة من المثالب التى ضمنها "شيشرون" خطبه العنيفة المشهورة ضده ، وقد نال التاريخ الرسمى فى عهد "أغسطس" من قيمة كل ما يتصل "بكليوباترا" فيما عدا "قيصر" ، ومن المأكد أن أداب العصور التالية تأثرت إلى مدى بعيد بهذا التاريخ ، ومع ذلك فأنه من المجقق أن حياة "أنطونيوس" الخاصة كانت معيبة ، لكنه كان شجاعا وقديرا على عقد أواصر الصداقة وكريما مع أصدقائه ، وقد كانت حياته فى الجيش خيرا من حياته الخاصة ، ومن الدور السياسى الذى لعبه فى التاريخ الرومانى ، إذ أنه فى شبابه كان ضابطا نابها فى فرق الفرسان ، ميز نفسه فى الأعمال الحربية التى إنتهت بإعادة تنصيب "هورقانوس الثانى" كاهنا أكبر فى بلاد "اليهود" ، ويحتمل أنه ميز نفسه إلى درجة أكبر فى الحملة التى عادت "بطليموس" "الزمار" إلى عرشه ، وبعد ذلك إشترك مع "قيصر" فى عدة حملات ، وكان قائد الجناح الأيسر لجيشه فى موقعة ( فارسالوس ) ، وفى دكتاتورية "قيصر" الثانية عين قائد للفرسان ، لكنه إستأنف فى "روما" حياته العابثة ، وأثارت علاقته بإحدى الراقصات فضيحة كبيرة ، إلى حد أن قيصر العابث إعتبر سلوكه مشينا ولم يختره زميلا له فى قنصلية ( عام 46 ق.م ) ، ولا قائد للفرسان فى دكتاتوريته الثالثة ، ولم يأخذه معه إلى "إفريقيا" ولا إلى "أسبانيا" ، فبقى فى "روما" ، حيث تزوج "فولفيا" أرملة الشرير "قولوديوس" ، وكانت إمرأة شريرة وعنيفة ، لكنه يسدو أنها كانت تحمل "لأنطونيوس" حبا حقيقى ، وبعد ذلك إكتسب عطف "قيصر" ثانية ، فأنتخب قنصلا معه فى ( عام 44 ق.م ) ثم قام بلأدوار التى مر بنا ذكرها .
والأن عندما أصبح هذا الرجل المحب للملاذ سيد الشرق ، وهو فى الأربعين من عمره ، سولت له نفسه أن يستغل مركزه وظروفه ليفترس "كليوباترا" ولكن فريسته هى من إفترسته على نحو ما سنرى ، ومن الإنصاف "لكليوباترا" ، يجب أن نقرر للمرة الثانية وضعتها ظروف قاهرة تحت رحمة ذئب كاسر ، وأن الدافع الأساسى لعلاقتها مع "قيصر" ثم "أنطونيوس" لم يكن لإرضاء شهواتها ، بل لإشباع أطماعها السياسية ، وأنها لم تكن خليلة لهم بل أنها إعتبرت نفسها زوجة الأول ، وفقا للأوضاع "المصرية" ، وكادت أن تصبح زوجته وفقا للأوضاع "الرومانية" ، وسنر أن الثانى بالفعل قام بإتخاذها زوجة فعلية له .
11 - أنطونيوس يصل أفسوس لتنظيم شئون الشرق : -
وعند وصول "أنطونيوس" إلى ( أفسوس ) بعد موقعة ( فليبى ) ببضعة شهور ، أستقبل كأنه صورة حية للإله "ديونوسوس" ، ويرى البعض أن الأهالى كانوا يعرفون ميله إلى المجون ، آملوا إلى أن يشغلوه بذلك عن شئونه الجدية ، ولعل أن "أنطونيوس" قد إنغمس فى هذا التنكر الديونومى ، الذى صاحبة عشر سنوات حتى نكبته فى ( عام 31 ق.م ) ، مدفوعا بميوله الشخصية ، وفضلا عن إدراكة أن صفة الحاكم السماوية فى الشرق هى التى كانت تبرر سلطانهم ، فلم يظهر لرعاياه الشرقيين على هيئة ممثل عظمة "روما" ، بقدر ما ظهر لهم بصورة حية "لديونوسوس" ، ولماذا إختار "أنطونيوس" "ديونوسوس" بدلا من "هرقل" ، وكان يكن له حتى هذه اللحظة إخلاصا خاصا يتناسب معه بوصفه جنديا ؟ حقا أن ( ديونوسوس ) كان "إله" (( الستعمار الأسيوى )) ، الذى إقتفى أثره "الإسكندر" بل تجسده برهة ، لكنه كان أقرب "آلهة" الإغريق إلى "الإله" "أوزوريس" المصرى ، وكانت أسرة "البطالمة" تدعى أنها من سلالة "ديونوسوس" ، وعلى كل حال فإن "كليوباترا" قامت بالدور الذى يلائمها فى الدراما التى بدأت على هذا النحو فى "أسيا" الصغرى .
12 - أنطونيوس يقع فى شباك كليوباترا : -
ومن "أفسوس" أرسل "أنطونيوس" يستدعى الحكام ، الذين حامت حولهم الشبهات فى خلال الصراع بين الجمهوريين ليبرروا تصرفاتهم ، لكن "كليوباترا" لم تلبى الدعوة أول الأمر ، وبينما كان "أنطونيوس" ينظم شئون "الشرق" ، إنتظر فى قلق ملكة "مصر" ، وعندما طال به الإنتظار أرسل إليها على عجل رفيقه " دليوس " ليحثها على لقاء أنطونيوس فى فيليقيا ، وهكذا وجدت "كليوباترا" نفسها مرة ثانية فى موقف يضطرها إلى الإختيار بين أمرين : إما أن ترفض الذهاب إلى صاحب الأمر والنهى فتجلب على نفسها نقمته وما يتتبعه ذلك من ضياع عرشها وتبديد كل أمالها ، وإما أن تقبل الذهاب .
ولما كان عرشها عزيزا عليها وأمالها واسعة ، فقررت أن تلبى أمره وأن تحاول معه كما حاولت مع "قيصر" من قبل ، لذلك إتجهت "كليوباترا" إلى ميناء "طرسوس" فى (عام 41 ق.م) لمقابلته وتذكر لنا المصادر القديمة أن "كليوباترا" ذهبت إلى "أنطونيوس" وسط العطور العقيقة ، والموسيقى الشجية ، وبين غوان تمثلن "ألهات" الحب وعرائس البحر ، وتحت خوان فحم أقيم على سفينة مقدمتها من الذهب ، وقلاعها من القماش الأرجوانى اللون ، ومقابضها من الفضة ، وسارت بها حتى "طرسوس" وقد سحر قلب "مارك أنطونيوس" كل هذا الجمال والمأدب الليلية الرقيقة التى أقامتها له "كليوباترا" فوقع فى الحال أسير هواها ولعل ذلك يرجع إلى أن "كليوباترا" كانت ملكة فى حين كل محظيات "مارك أنطونيوس" وزوجاته الثلاث كن زوجات من عامة الشعب ، وقد سارعت "كليوباترا" فى إستغلاله لاشباع أحقادها ، إذ أنها أقنعته بإعدام أختها "أرسينوى" ، وكانت لاجئة فى معبد "أفسوس" ، مع أن "أنطونيوس" كان قد إعترف بحق هذا المعبد فى حماية اللاجئين إليه وأكد ذلك الحق وإحترمه حتى هذه اللحظة ، وعندما ثأرت "كليوباترا" لنفسها ، ووطدت مركزها على هذا النحو ، كان فى وسعها أن تعود إلى "الإسكندرية".
13 - أنطونيوس يرحل إلى الإسكندرية والأحداث المهمة وكليوباترا تنجب توئمان لأنطونوس : -
وقد سارع "أنطونيوس" إلى إنجاز تنظيم شئون "سوريا" ، وترك أحد مساعديه فى هذه الولاية التى كان "البارثيون" يتهددونها ، ورحل إلى "الإسكندرية" ليستمتع بتلك الحياة البهيجة ، التى شدت وثاق عقله وقلبه إلى "كليوباترا" و"الإسكندرية" ، ومن المؤكد أن "كليوباترا" لم تستطيع أن تجعل "أنطونيوس" لا يستطيع الإستغناء عنها ، لتضمن بقاء حكمها فى "مصر" وتمهد السبيل إلى ما هو أعظم من ذلك ، وسرعان ما إنتزعته الحوادث الخارجية التى وقعت فى "الشرق" "والغرب" ، ومن المؤكد أن "أنطونيوس" أنذاك لم يحصل على شئ من أموال "كليوباترا" .
غادر "أنطونيوس" "مصر" فى ( ربيع عام 40 ق.م ) ، تغيب عنها أربعت سنوات لم تعرف فيهم أخباره إلا عن طريق فلكى "مصرى" فى حاشية "أنطونيوس" ، وقد حرص هذا الفلكى إما بإيحاء من "كليوباترا" وإما بوازع من نفسه على أن يستحث "أنطونيوس" عن الإنفصال عن "أوكتافيانوس" حتى يحقق لنفسه المكانة التى تليق به ، ومن المحتمل أن "كليوباترا" كانت تعتقد أن الأحداث السياسية ستدفع "أنطونيوس" إلى العودة إليها ثانية ، وقد غادر "أنطونيوس" "مصر" عندما علم بأن "البارثيين" غزوا "أسيا" الصغرى و"سوريا" ، فذهب إلى "صور" بحرا حيث علم بأن قوات حاكم "سوريا" "اليونانى" قد ثارت عليه ، لذلك سارع إلى "أسيا" الصغرى لإستقدام أسطوله ، وهناك علم فى ( صيف عام 40 ق.م ) ، بأن أخاه "لوقيوس" وزوجته "فولفيا" قد تشاحنا مع "أوكتافيانوس" إلى حد الإشتباك المسلح ، وبأن "أوكتفيانوس" إنتصر عليهم وأثر أخاه ، لكن "فولفيا" تمكنت من الهرب ، فقرر أن يعود إلى "روما" فى الحال ، وفى طريقة إلتقى بزوجه فى "أثينا" ، فصب عليها غضبه ، ولا سيما بأنه علم بأنها لم تلقى بنفسها فى تلك المخاطرة إلا لتنتزعه من "كليوباترا" ، ولم يفلح فى تهدئة غضب "أنطونيوس" دفاع "فولفيا" بأنها لم تفعل ما فعلته إلا لتكسبه سيادة العالم ، ولم يقبل أيضا نصيحتها بمحالفة "سكستوس" "بومبى" ، عدو "أوكتافيانوس" ، لأن "أوكتافيانوس" كان لا يزال يحترم إتفاقيته معه ، وقد عامل "أنطونيوس" زوجته معاملة قاسية وتركها غاضبا فى ( سيقوون ) حيث خرجت مريضة وتوفيت ، فزالت عقبة كبيرة فى سبيل التفاهم مع "أوكتافيانوس" .
وقد علم "أنطونيوس" بعد ذلك بأنه عندما توفى قائده فى بلاد "الغال" ، تسلم "أوكتافيانوس" فرق "أنطونيوس" هناك ، ففهم عندئذ أن "أوكتافيانوس" قد إعتدى على الإتفاقية ، ولذلك فإنه لم يكن هناك مفر من الحرب ، وكان "أنطونيوس" أكثر ميلا إلى إلقاء التبعة على أخية وزوجته لخوض غمار الحرب إستثارته منه على "أوكتافيانوس" ، لأنه قبل تفسير زميله بأنه لم يتصرف على نحو ما فعل إلا دفاعا عن نفسه ، ونجحت مساعى التوفيق بين "أنطونيوس" و"أوكتافيانوس" ، وفعلا تم الصلح بينهم فى "برنديزى" أوائل أكتوبر ( عام 40 ق.م ) ، وبمقتضى هذا الصلح أعطى "الشرق" "لأنطونيوس" على أن تنتهى منطقطة عند شاطئ "البانيا" ، وكان الغرب من نصيب "أوكتافيانوس" ، وإحتفظ "لبيدوس" بشمال "إفريقيا" ، وقد تزوج "أنطونيوس" "أوكتافيا" أخت "أوكتافيانوس" لتوكيد أواصر هذا الإتفاق بين هذان القائدان .
وفى تلك الأثناء أنجبت "كليوباترا" من "أنطونيوس" توئمان ، شبه فيما بعد بالتوئمان السماويان : "الشمس" و"القمر" ، لذلك سميا "إسكندر هيليوس" ( الشمس ) و"كليوباترا سيلينى" (القمر) لكنه أثناء زواج "أنطونيوس" من "أوكتافيا" ، وعندما برح "أنطونيوس" "روما" فى (أغسطس أو سبتمبر عام 39 ق.م) بعد أن وضعت له "أوكتافيا" إبنة سمتها "أنطونيا" ، وأتخذ "أثينة" مقرا له مدة عامين ، رافقته زوجته إلى هناك ، وأثناء مشاغله المتعددة لم يتيسر له أن يذهب إلى "أسيا" الصغرى أو إلى سوريا ، اللتين هجرهما وقت الخطر ، وإكتفى بإيفاد أحد رجاله ، "فنتيديوس باسوس" وهو الذى رد "البارثين" ثانية بعد أن أنزل بهم هزيمتين ، إحداهما فى ( عام 39 ق.م والأخرى فى 38 ق.م ) ، وفى ( شتاء عام 38 ق.م ) ، جاء "أنطونيوس" نداء هام من "أوكتافيانوس" يناشده فيه بمدد بحرى يشد أزره فى صراعه مع "سكتوس بومبى" ، فذهب إليه "أنطونيوس" فى ( ربيع عام 37 ق.م ) ، ومعه "أوكتافيا" وكل أسطوله ، لكنه وجد أن "أوكتافيانوس" بنى لنفسه أسطولا جديدا فى الشتاء ، ولم يعد فى حاجة إلى مساعدته ، وقد كان "أنطونيوس" فى حاجة ملحة فى إستكمال حملاته ضد "بارثيا" ولم يكن فى وسعه الحصول على حاجته إلا بمساعدة "أوكتافيانوس" ، وكان يأمل أن يستبدل بسفنه ما كان يحتاج إليه من فرق "رومانية" ، ولما كان "أوكتافيانوس" قد سمع أن "أنطونيوس" يتفاوض سرا مع "لبيدوس" ، فأنه غضب منه وغمره الشك فى نواياه ورفض مقابلته .
وعندما أخذت الأيام تمر بطيئه دون حدوث شئ ، قابلت "أوكتافيا" أخاها وشكت له من ناحية زوجها وأخفلحت فى إزالة ما بينهم من خلاف كان ينطوى على إندلاع حرب أهلية ، وإلتقى الرجلان بالقرب من "تارتنم" حيث عقدت معاهدة جديدة جددت بمقتضاها الحكومة الثلاثية لخمسة أعوام أخرى ، دون إستشارة الشعب "الرومانى" هذه المرة فى ( صيف عام 37 ق.م ) ، لكن هذه المعاهدة لم تكن إلا هدنة مؤقته ، ذلك أن "أنطونيوس" عندما ترك روما فى ( خريف عام 37 ق.م ) ، إلى بلاد "الإغريق" ، كان قد أعمل رأيه على أنه لا طريق غير القطعية مع أوقتافيانوس ، لأنه شعر أنه يحترم كل إتفاقياته مع أوقتافيانوس فإن أوقتافيانوس لم يحترم هذه الإتفاقيات ، وكان أخر مثلا لذلك إتفاقهم فى "تارنتم" على أن يمد أنطونيوس زميله بحولى 120 سفينة لقاء الحصول على أربع فرق عسكرية ، وقيام أنطونيوس بتنفيذ ما وعد به وعدم وفاء "أوكتافيانوس" بالوعود ، وسئم "أنطونيوس" "أوكتافيا" ، وأخذ يشتاق إلى "كليوباترا" ، فعندما وصل إلى جزيرة "قورقورا" ، رد "أوكتافيا" إلى "روما" بحجة إقتراب موعد وضعها ، وعدم رغبته فى تعريضها لمخاطر الحملة ، التى كان ينوى القيام بها ضد "البارثيين".
14 - أنطونيوس يتزوج كليوباترا ويعترف بالتؤمان : -
وما كاد "أنطونيوس" يصل إلى "أنطاكيا" ، حتى إستدعى "كليوباترا" إلى جانبه ، وتزوجها فى الحال فى ( خريف عام 37 ق.م ) ، وأعترف بالتؤمان ، وأصبحت "كليوباترا" فى نظر الجميع زوجة "أنطونيوس" الشرعية ، لكن "الرومان" لم يعتبروها كذلك ، لأن "أنطونيوس" لم يطلق بعد "أوكتافيا" ، ولأن "كليوباترا" كانت أجنبية ، وبمقتضى القانون "الرومانى" كان لا يستطيع أى رجل أن تكون له زوجتان فى نفس الوقت ، ولا أن يعقد زواجا صحيحا على أجنبية ، ويعتبر زواجه من "كليوباترا" نقطة تحول فى مجرى حياته ، وبداية القطعية مع الغرب ، لكنه لم ينوى حين إذ مهاجمة "أوكتافيانوس" ، فقد كان هدفه الأول حين ذاك محاربة "البارثيين" ، إذ أنه بإنتصاره عليهم يجعله وارث "قيصر" الحقيقى ، وتكسبه مكانة تفوق كل ما كان يحلم به "أوكتافيانوس" ، وإذ كان البعض يعتقد أن "أنطونيوس" لم يتزوج "كليوباترا" إلا لإستخدام ثروة "مصر" فى محاربة "البارثيين" ، وإننا نميل إلى الرأى الذى يقول أنه تزوجها بدافع الحب ، لأنه لم يستخدم موارد "مصر" فى هذه الحرب ، لأنه إذا كان الدافع وراء زواجه من "كليوباترا" إستخدام ثروة "مصر" ، كانت هى من سيرفض هذا الزواج وإستنزاف موارد "مصر" ، وكان من السهل على "أنطونيوس" خلع "كليوباترا" والفوز بثروة "مصر" ، وأما من ناحية "كليوباترا" فإن الدافع من هذا الزواج ليس الحب ولكن لإستخدامة فى تنفيذ أحلامها وأطماعها السياسية.
15 - محاولة كليوباترا إعادة بناء دولة البطالمة : -
طلبت "كليوباترا" بعد الزواج مباشرة ، أن تكون هدية زواجها هى إستعادة إمبراطورية "البطالمة" ، بالنسبة "لأنطونيوس" لم يستطيع أن يمنحها أكثر مما كان يستطيع ، فمنحها إمارة "خالقيس" وكل الأقاليم الممتدة بين هذه الإمارة وبين مملكة "هيرود" ( يهوذا وجاليلى ) ، وكانت هذه الأقاليم تشمل كل "سوريا" الوسطى ، وأعطاها أيضا "قليقيا" "تراخيا" "وقبرص" ، والجانب الأكبر من شواطئ "فلسطين" "وفينيقيا" ، فيما بين "مصر" "ونهر اليوثروس" .
إذ كان "أنطونيوس" قد أبى على "كليوباترا" كل مملكة "هيرود" ، وكان تابعه وصديقه الوفى ، فإنه أعطاها أكبر جزء من هذه المملكة ، وهو غابات "البلسم" حول "أريحة" ، وكانت ذات أهمية تجارية كبيرة ، وكذالك الأرض الواقعة شرقى "البحر الميت" ، مع حق إحتقار "قطران" هذا البحر ونتيجة ذلك كله ، إستعادة "كليوباترا" جانبا كبيرا من إمبراطورية "بطليموس" الثانى "فلادلفوس" ، ولا عجب أنها عندما أنجبت "لأنطونيوس" ولدا فى ( عام 36 ق.م ) ، فى أثناء وجوده فى "ميديا" دعت هذا الطفل "بطليموس" "فلادلفوس" ، تخليدا لذكرى إستعادة إمبراطورية هذا الملك وقد أجرت "كليوباترا" إلى "هيرود" حق إستغلال غابات "البلسم" ، وإلى "مالخوس" أمير "النبط" حق إستغلال القطران .
ومنذ ( عام 36 ق.م ) ، نجد الوثائق البردية والعملة فى "مصر" مؤرخة بعهدين مؤكد أن منهم عهد "كليوباترا" حين إعتلائها عرش "مصر" ، وأما العهد الأخر عهد "كليوباترا" بإعتبارها ملكة "خالقيس" وغيرها من الأقاليم "الأسيوية" التى حصلت عليها فى ( العام 16 من حكمها عام 36 ق.م ) ، وبحيث أنها إستولت على جزء كبير من إمبراطورية "بطليموس" "فبلادلفوس" فأطلقت إسمه على إبنها الذى أنجبته فى عام 36 ق.م وباعتبار هذا العام بداية عهد جديد فى حكمها.
16 - أنطونيوس يقود حملة فاشلة ضد بارثيا : -
قضى "أنطونيوس" ( شتاء عام 37 ، 36 ق.م ) ، فى تنظيم "أسيا" الصغرى والإستعداد للحملة ضد "بارثيا" ، وعندما ترك "سوريا" فى ( ربيع عام 36 ق.م ) ، لينضم إلى جيشه ، صحبته "كليوباترا" حتى "نهر الفرات" ، ثم عادت إلى "الإسكندرية" لتضع طفلها ، وفى الطريق مرت "بهيرود" ، وكان يبادلها كراهية شديدة لكنه حرص على أن يدفع لها حقها كاملا عن إستغلال غابات "البلسم" ويغرقها بالهدايا الثمينة ويرافقها حتى الحدود "المصرية" .
وقد كانت الحرب "البارثية" نكبة على "أنطونيوس" ، فهو أن أعد جيشا كان أكبر جيش تولى قيادته قائد "رومانى" ، إلا أنه أهمل إتخاذ الإحتياطات اللأزمة لتأمين سلامة هذه الحملة ، مما أتاح للعدو أن ينقض على قوات المؤخرة التى كانت تحمى المئونة ومعدات الحصار ، وأن يفنى تلك القوات وتحرق تلك المعدات ، مما إضطر "أنطيوخوس" بإنسحاب مشئوم كلفه خسائر فادحة، وفى أثناء تلك الإنسحاب أرسل إلى "كليوباترا" يناشدها أن توافيه فى "سوريا" بملابس وأموال يستعين بها على الترفيه على رجاله بعد ما عانوه ، وبالرغم من صعوبة الملاحة فى الشتاء ، فإن "كليوباترا" أسرعت إلى مقابلة "أنطونيوس" عند "القرية البيضاء" بالقرب من "صيدا" حاملة كميات وفيرة من الملابس والأموال ، وبعدها عاد "أنطونيوس" مع "كليوباترا" إلى "مصر" ( عام 35 ق.م ) .
وقد أبلغ "أنطونيوس" "روما" أنه إنتصر على "البارثيين" ، فإحتفلت العاصمة الرومانية بهذا النصر ، لكن "أوكتافيانوس" وأخته كانا يعرفان الحقيقة ، وكانت "أوكتافيا" ترى أن زواج "أنطونيوس" من "كليوباترا" لم يغير مركزها بوصفها زوجته ، وعندما علمت أنه بحاجة إلى المساعدة ، تركت "روما" فى ( مارس عام 35 ق.م ) ، ومعها مقادير كبيرة من المال والملابس ، وغير ذلك من حاجات الجيش ، 2000 جندى من الجنود المختارين ، وترك "أوكتافيانوس" أخته تذهب إلى زوجها ليجد سببا للحرب ، عندما وصلت "أوكتافيا" إلى "أثينا" ، وجدت رسالة من "أنطونيوس" بعدم الشخوص إليه ، فكان مسلك "أنطونيوس" مع "أوكتافياط قاسيا أشد القسوة ، ومع ذلك فإنها أطاعة أوامره كزوجه وبعثت برسالة عن الجهة التى يريد أن ترسل له ما أعدته من إمدادات .
وبطبيعة الحال أثار مسك "أنطونيوس" غضب "أوكتافيانوس" ، فأمر أخته بترك بيت "أنطونيوس" لكنها رفضت وظلت فى بيت زوجها ترعى أولاده ، سواء أكانوا منها أم من "فولفيا" ، فلا عجب أن كان تجردها عن الأنانية ، هو الذى لمس "الرومان" عن كثب ، قد أذى إلى حد كبير مكانة "أنطونيوس" فى نفوسهم ، وإن كان إلحاق الأذى به أخر ما كانت تتمنا "أوكتافيا" .
وفى الوقت نفسه إبتسم الحظ "لأوكتافيانوس" بأنه وحد قوات "أجريبا" وهزم "سكستوس بومبى" وأعاد الأمن ثانية إلى "البحر اللاتينى" فى ( سبتمبر عام 36 ق.م ) ، وأثناء ذلك تمكن "أوكتافيانوس" من إخضاع "ليبدوس" العضو الثالث فى الحكومة الثلاثية الثانية إلا أن "أوكتافيانوس" ضم منطقة "إفريقيا" لنفوذه وبعد ذلك قام بنفى "ليبدوس" إلى "قرقى" حيث قضى بقية أيامه فى هدوء .
حاولت "كليوباترا" بكل الوسائل إقناع "أنطونيوس" بمحاربة "أوكتافيانوس" ، وينبغى عليه إعداد كل قواته للقيام بالحملة العظمى ، ولا شك فى أن الدافع لدى "كليوباترا" لفتح "روما" عاملان رئيسيان وهما : الثأر للمعاملة السيئة التى كالتها "روما" لوطنها ، إلى أن "روما" حطمت الروح المعنوية فى أجداد "كليوباترا" والأخر هو حب السيطرة .
وقد كانت هناك وسيلتان لمحاربة "روما" وإحداهما هى إستخدام "الرومان" نفسهم ، والأخرى هى إثارة حرب مقدسة "إفريقيا" "أسيوية" على "روما" نفسها ، وهذا هو أشد ما كانت "روما" تخشاه لكن من غير المعروف ما إذا كانت "كليوباترا" فكرت فى هذه الوسيلة أو لا وعلى كل حال فإنها لم تستعين فى حربها إلا للوسيلة الأولى.
17 - أنطونيوس يغزو أرمينيا : -
فى ( عام 35 ق.م ) ، أرسل "أنطونيوس" قواته ضد نشاط "سكستوس بومبى" ، فى "أسيا" الصغرى فضيقت الخناق فضيقت الخناق عليه هو وأسرته ثم أعدمته وفى ( عام 34 ق.م ) ، غزا "أنطونيوسط "أرمينيا" وأخضعها وأستولى على ملكها وإثنين من أبنائه فأصبحت ولاية "رومانية" لمدة عامين وخطب إبنة ملك "ميديا" لإبنه "إسكندر هيليوس" .
وبعد عودة "أنطونيوس" من فتح "أرمنيا" شهدت "الإسكندرية" فى (خريف عام 34 ق.م) مشهدان غير عاديين ذلك أن "أنطونيوس" أقام مهرجان إنتصاره فى "الإسكندرية" على خلاف ما جرى عليه العرف بألا يحتفل القواد "الرومان" بإنتصاراتهم إلا فى "روما" فى كنف الإله العظيم "جوبيتر" الذى كان يقيم على كل "الكابيتول" ويعتبر صورة مجسدة "لروما" .
وعندما دخل "الإسكندريةط راكبا عربة النصر ، ويتبعه الأسرى "الأرمينيون" إتجه إلى "كليوباترا" وقدم إليها الأسرى الملكيين وكانوا مكبلين فى الأغلال ، وهذا العمل أعطى أعدائه فرصة لتقليل شعبيته بين "الرومان" ، أما المشهد الأخر قد شهدته "الإسكندرية" بعد الإحتفال بالنصر ببضعة أيام فى "الجامنازيوم" فقد أقيم على منصة عرشان مرتفعان ، جلس عليهم "أنطونيوس" و"كليوباترا" وعلى مستوى أقل جلس على عروش أخرى ( قيصرون ، إسكندر هيليوس ، بطليموس فلادلفوس ، كليوباترا سيلينى ) وتحدثنا المصادر القديمة أن "كليوباترا" كانت فى زى "الإلهة إيزيس" و"إسكندر هيليوس" فى زى الملوك "الأخمينين" ، و"فلاديلفوس" فى الزى "المقدونى" ، وقد بدأ "أنطونيوس" الحفل بمخاطبة الموجودين فقال لهم أن "كليوباترا" كانت زوج "قيصر" وأن "قيصرون" إبن "قيصر" الشرعى إلى إظهار "أوكتافيانوس" فى ثوب الشخص الذى أغتصب مكان غيره ، فلذلك كان لا يحق له التمتع بولاء الجنود .
وبعد ذلك نادى "أنطونيوس" "بكليوباترا" ملكة الملوك و"قيصرون" ملك الملوك ، على أن يحكما سويا "مصر" و"قبرص" وتمتد سيادتهم على ممالك أبناء "كليوباترا" الأخرين ، ونادى "بإسكندر هيليوس" ملك "أرمنيا" وكذالك على "ميديا" و"برثيا" اللتين لم يفتحهما بعد ، و"بطليموس فلادلفوس" ملك على مملكتى "مصر" و"سوريا" و"فينيقيا" و"قليقيا" ، وتخليد لذكرى هذا الحدث سك "أنطونيوس" عملة نفشت على أحدى وجهيها صورة رأسه وصورة تمثل "أرمنيا" المقهورة ، وعلى الوجه الأخر صورة وجه "كليوباترا" مصحوبة بنفس نص ملكة الملوك وملكة أولادها الذين هم أيضا ملوك وهكذا أصبحت "كليوباترا" صاحبة سيادة على كل أبنائها وحتى "قيصرون" وأما مركز "أنطونيوس" فى هذه الإمبراطورية فأنه حرص ألا يحدده ، وذلك لكى يبقى فى نظر الرومان "مارك أنطونيوس" الحاكم "الرومانى" وفى نظر "الإغريق" و"الشرقيين" الملك "الهلينيستى" المؤله "أنطونيوس" الذى هو "ديونيسيوس" المشبه "بأوزوريس" زوج "كليوباترا" ملكة مصر المؤلهة التى هى "إيزيس" .
وفى ( أول يناير عام 34 ق.م ) ، سك عملة نقش على أحدى وجهها صورة رأسه وعلى وجهها الأخر صورة رأس أبنه التى أنجبته إليه زوجته "فولفيا" ، وبتلى التصرفات أغرق فى إرتكاب حماقة سياسية بعد الأخرى ، فهو لم يكتفى بإقامة إحتفال إنتصاره على "أرمينيا" فى "الإسكندرية" ، ولا بتوزيع ممتلكات "رومانية" على "كليوباترا" وأولادها بل أوضح بأنه لم يعد يقنع بالنصف "الشرقى" فى العالم "الرومانى" أى أن أهدافه لا تقف عند حد تكوين إمبراطورية "شرقية" تناهض إمبراطورية "روما" فى "الغرب" ، بل كان يعتزم أن يصبح سيد العالم "الرومانى" بشقيه "الشرقى" و"الغربى" وبالتالى تحكم "كليوباترا" السابعة أيضا العالم "الرومانى" كله ، ولتحقيق ذلك أخذ "أنطونيوس" يسعى جاهدا لكسب الرأى العام بحملة دعاية سياسة ضد "قيصر أوكتافيانوس".
18 - الصراع بين أنطونيوس وأكتافيانوس : -
وقد بدأ النزاع بين "أنطونيوس" و"أكتافيانوس" بالرسائل إذ أنه فى ( عام 33 ق.م ) ، بعد أن بلغت "روما" أنباء مهرجان النصر الذى أقامه "أنطونيوس" فى "الإسكندرية" بعث إليه "أوكتافيانوس" بارسالة أخذه فيها لسوء معاملته "لأوكتافيا" وعلاقته بملكة أجنبية وتأييده لإبنها ، وقد رد "أنطونيوس" بأنه إذا كان قد تزوج من مصرية فإن "أوكتافيانوس" كان مستعدا لأن يزوج إبنته من أجنبى فضلا عن علاقاته الغرامية المتعدده ثم سرد له كيف أنه لم يحترم شروط إتفاقية "برنديزى" وعاد "أوكتافيانوس" فبرر تصرفاته فى رسالة أخرى بعث بها إلى "أنطونيوس" وصلته فى ( خريف عام 33 ق.م ) ، حين كان فى "أرمينيا" وكان قد زحف إليها فى أوائل ذلك العام ، وتحالف مع ملك "بونتس" ومنحه الجزء "الغربى" من "أرمينيا" كما تحالف مع ملك "ميديا" على أساس أن يرد "لأنطونيوس" الأعلام "الرومانية" التى فقدت فى أثناء الحملة "البارثية" المنكوبة ، وأن يقدم "لأنطونيوس" من رمات السهام والفرسان ، وذلك مقابل حصول ملك "ميديا" على جانب من "أرمينيا" وبعض فرق المشاة الرومانية ، وزواج إبنته من "الإسكندر" إبن "كليوباترا" "وأنطونيوس" وقد كان ذلك إستعداد للصراع مع "أوكتافيانوس" .
ولم يأخذ "أنطونيوس" أية خطوة حين ذلك نحو الإشتباك المسلح لأنه كان يريد قبل كل شئ الإتصال "بالسناتو" والفوز بتأييده فى الصراع المقبل ، ولذلك أرسل برسالة إلى "السناتو" يلتمس فيها موافقتهم لأعماله فى "الشرق" ، ويعرض عن إستعداده للنزول عن سلطانه بوصفه أحد أعضاء الحكومة الثلاثية ، إذ فعل "أوكتافيانوس" ذلك فى الوقت نفسه ، ومذ ذلك الحين بدأ كلا من "أوكتافيانوس" و "أنطونيوس" حملات لاذعة ضد الأخر ساهم فيها إنتصارهم .
وفى ( أول يناير عام 32 ق.م ) ، تولى القنصلية أثنان من أنصار "أنطونيوس" وهما "سوسيوس" و"أهنوباريبسوس" وبدا أن "أنطونيوس" يستطيع إخبار "السناتو" برسالته دون أى عقبة ، لكن القنصليين لم يجرؤا على قرءة الرسالة ، خوفا من إضعاف قضية "أنطونيوس" بتذكير "السناتو" والشعب "الرومانى" بمنح الممالك "لكليوباترا" وأبنائها ، ولذلك فإن "سوسيوس" إكتفى بإلقاء خطبة فى مديح "أنطونيوس" ومهاجمة "أوكتافيانوس" وعندما عاد "أوكتافيانوس" إلى "روما" طلب إجتماع مجلس "السناتو" وأخذ يدافع عن نفسه ، ويهاجم "أنطونيوس" و"سوسيوس" هجوما عنيفا وإعتزم أن يقدم الوثائق التى تثبت قضيته .
غادر "القنصلان" وقليلا من أعضاء "السناتو" "أفسوس" حيث كان يتجمع جيش "أنطونيوس" منذ ( نوفمبر عام 33 ، 32 ق.م ) ، وقد أهدى "أنطونيوس" إلى "كليوباترا" مكتبة "برجاموم" تعويضا لها عن حريق "مكتبة الإسكندرية" ، كما أهدى إليها كثيرا من التحف التى كانت تزدان بها مدن "أسيا" الصغرى و"معابدها" .
وفى "أفسوس" إنقسم أنصار "أنطونيوس" بين مطالبين بإبعاد "كليوباترا" عن "أنطونيوس" وبين معارض على ذلك وكاد الفريق الأول أن يتغلب على الثانى إذ أن "أنطونيوس" طلب من "كليوباترا" الرحيل عن "مصر" ولكنها رفضت وكانت مصممة على الإشتراك فى الحرب وفى (إبريل عام 32 ق.م) ، نقل "أنطونيوس" مركز قيادته إلى "ساموس" حيث نعم "أنطونيوس" وصحبه بسلسلة من الحفلات الموسيقية والمأدب الفاخرة وفى مايو إنتقلت القيادة إلى "أثينا" وأعلن "أنطونيوس" طلاق "أوكتافيا" .
وعندما ضاق بعض أنصار "أنطونيوس" بإستسلامه "لكليوباترا" ، شعر البعض الأخر بأن قضيته خاسرة أخذ الكثيرون ينفضون من حوله وينضمون إلى "أوكتافيانوس" وفى هذه الأثناء عمل "أوكتافيانوس" على تقوية مركزه فى "روما" وجمع المال اللازم للحرب .
وفى ( النصف الثانى من عام 32 ق.م ) ، على "أوكتافيانوس" من بعض أنصار "أنطونيوس" الذين أخبروه أنه أودع وصيته عند "الكاهنات العذارى" فأستولى عليها بالقوة وقرأها "للسناتو" وقد كانت الوصية تتضمن بأن "كليوباترا" قد أنجبت "قيصرون" من "يوليوس قيصر" ورغبة "أنطونيوس" بأن يدفن فى "الإسكندرية" حتى وإن مات فى "روما" وقد أغضبت هذه الرغبة الشعب "الرومانى" غضبا شديدا لأنه رأى فيه دليلا على أن "أنطونيوس" لم يعد "رومانيا" وإنما أداة فى قبضة أجنبية وأنه كان و"كليوباترا" فاز "أوكتافيوس" بتأييدهم ، وإنه ينوى نقل العاصمة إلى "الإسكندرية" وإقامة "كليوباترا" ملكة على "الرومان" .
ووسط ثورة الغضب ضد "أنطونيوس" و"كليوباتر"ا فاز "أوكتافيانوس" بتأييدهم وقد فرض ضرائب جديدة لمواجهة نفقات الحرب وقد أقسمت "روما" و"الولايات الغربية" كلها يمين الولاء "لأوكتافيانوس" ولذلك قرر حرمان "أنطونيوس" سلطته وحقه فى تولى منصب القنصلية ( لعام 31 ق.م ) ، وأعلن الحرب على "كليوباترا" عدوة الشعب "الرومانى" لا على "أنطونيوس" وذلك حتى يضمن وحدة الرأى العام ضد عدوه الأجنبى .
وحين كان "أنطونيوس" يقضى ( شتاء عام 32 ، 31 ق.م ) ، من جيشه وأسطوله فى بلاد "الإغريق" كانت أساطيل "أكتافيانوس" تتجمع عند "برنديزى" و "وتارنتوم" إذ كانت الإتصالات الدوبلوماسية قد إنقطعت بين الفريقين فإن حملات الدعاية التى كان يشنها كلا منهم إستمرت .
وفى ( أوائل عام 31 ق.م ) ، تولى "أوكتافيانوس" منصب القنصلية للمرة الثالثة وإتخذ "فالريوس" زميلا له ، ولكن يبدوا أن "أنطونيوس" ضرب بهذا القرار عرض الحائط ذلك لأنه وصف نفسه على النقود التى سكها فى ذلك العام على أنه قنصل للمرة الثالثة وعضو الحكومة الثلاثية لوضع أمور الجمهورية "اليونانية" فى نصابها .
وقد حشد "أوكتافيانوس" أسطولا كبيرا مكونا من ( 400 سفينة ) وإستقر الرآى على أن يتولى بنفسه قيادة القوات البرية وعلى أن يتولى "أجريبا" قيادة الأسطول ، ولسنا نعرف تفاصيل الصراع الذى دار بعد أن حشد الفريقان قوتهما ، وإن كنا نعرف أنه فى مستهل (عام 31 ق.م) عندما كانت قوات "أنطونيوس" لا تزال فى معسكرتها الشتوية والطرق البحرية مفتوحة أمام غريمه ليفعل ما بدا له ، هاجم "أجريبا" "البليبونيز" بنصف الأسطول وإستولى على "مثونى" مما أتاح له أن يهدد خطوط إمدادات "أنطونيوس" وأن يغير جهات متعددة من بلاد "الإغريق" ، وتحت ستار هذه المناورات نقل "أوكتافيانوس" قوته ومعداته إلى "أبيروس" وأمرها بالزحف سريعا إلى الجنوب ، أملا فى أن يسبق "أنطونيوس" إلى "رأس أكتيوم" ليتثنى له محاصرة الجانب الأكبر من أسطول غريمه ، الرأس فى خليج "أرثا" الواقع شرقى "رأس أكتوم" وفى تلك الأثناء إستولى "أوكتافيانوس" على جزيرة "قورقيرا" وإتخذها قاعدة لمناوئة أسطول "أنطونيوس" القابع فى خليج "أرثا" ولكن ذلك الأسطول رفض الإشتباك مع "أوكتافيانوس" .
ولما كان "أنطونيوس" قد سبق "أوكتافيانوس" إلى إحتلال "رأس اكتيوم" وأخذ يجمع جيشه هناك فإن قوات "أوكتافيانوس" إحتلت مكانا مرتفعا على الرأس الشمالى المواجه "لرأس أكتيوم" وحصنت مواقعها ومددت الأسوار منها إلى خليج "قوماروس" حيث رسا جانب من أسطول "أكتافيانوس" ولم يلبث "أجريبا" أن إستولى على جزيرة "ليوقاس" والسفن الراسية عندها ، وكذالك على "باتراى" وفيما بعد على "كورثنا" ومن "قورماروس" و"ليوقاس" أخذ يعمل على قفل خليج "أرثا" فى وجه السفن التى تحمل الإمدادات "لأنطونيوس" فبقى أسطوله محصورا فى ذلك الخليج ، وقد إنتقل "أنطونيوس" مع بعض قواته من "أكتيوم" وعسكر أمام "أوكتافيانوس" وحاول تضييق الخناق عليه لكنه فشل فى ذلك ولذلك فأنه قرر وقف الأعمال البرية الحربية لعدم جدواها والإنسحاب إلى "أكتيوم" .
وقد ترتب على التوفيق الذى صادف "أوكتافيانوس" والهزائم التى منى بها "أنطونيوس" فى البر والبحر أن هجر جانب "أنطونيوس" الكثير من الرجال وأمراء الدول الخاضعة له ولذلك أخذ يتشكك فى كل الذين حوله ، وفى تلك الأثناء تفشى المرض بين جنوده وبحارته لأنهم كانوا ينزلون منذ الشتاء فى منطقة واطئة حول خليج "أرثا" كما نقصت المؤنة نتيجة لنجاح العدو فى قطع خطوط الإمداد .
ورغم تفوق "أنطونيوس" إلا أنه نتيجه لتأثير "كليوباترا" عليه قرر أن يكون الفيصل بينه وبين "أوكتافيانوس" معركة بحرية وذلك لإرضاء "كليوباترا" برغم إفتقار سفنه للبحارة وبرغم تفوق أسطول "أوكتافيانوس" تفوقا واضحا .
وتشير المصادر إلا أن "قاينديوس" نصح بإعادة "كليوباترا" إلى "مصر" والإنسحاب إلى "تراقيا" أو "مقدونيه" لخوض المعركة برا ولكن "كليوباترا" أصرت على خوض المعركة بحرا مع أنها كانت تعد نفسها للهرب ، وتصف قواتها لا حيث تساعد على إحراز النصر ، وإنما حيث يمكن إستخدامها بسهولة إذا ما إنتصر العدو ، ويذكر "بلوتارخ" فى موضع أخر أنه لم يكن لد "أنطونيوس" نفسه أملا فى النصر لأنه عندما أراد بحارته ترك أشرعة السفن خلفهم أرغمهم على أخذها معهم قائلا أنه يجب مطاردة العدو بحيث لا يفلت من رجاله أحد ، وتشير القرائن المتعددة على سوء حال قوات "أنطونيوس" و"كليوباترا" وعلى أنه لم يبق أمامهما سوى الإنسحاب ، ومع ذلك فإن "تارن" يرى أن "أنطونيوس" أتفق مع "كليوباترا" على خطتاين كانت إحداهما هى إنزال الهزيمة بقوات "أكتافيانوس" بحرا والأخرى هو الهرب إذا فشلت الخطة الأولى.
19 - موقعة أكتيوم البحرية وهزيمة أنطونيوس : -
وفى ( 2 سبتمبر عام 30 ق.م ) ، عندما هدأ البحر من العواصف وقف "أوكتافيانوس" على رأس أسطوله فى عرض البحر إتجاه "أكتيوم" فى إنتظار تحرك "أنطونيوس" و"كليوباترا" وكان أسطول "أوكتافيانوس" يتألف من قلب وجناحين يتولى هو قيادة الجناح الأيمن بينما يتولى "أجريبا" قيادة الجناح الأيسر ، وعندما تحرك أسطول "أنطونيوس" أتخذ موقفا دفاعيا قويا ، فقد إحتشدت السفن بعضها إلى جانب بعض عند مدخل المضيق بحيث كان الجناحان يرتكزان إلى الشاطئ إذا أن هذا الأسطول أيضا كان يتألف من قلب وجناحين ، يتولى "أنطونيوس" قيادة أيمنهما و"سوسيوس" أيسرهما وأما "كليوباترا" فأنها كانت تقود سفنها وتقف فى المؤخرة .
وحين لاحظ "أكتافيانوس" أن سفن خصمه لم تبعد عن الشاطئ تقدم هو ليوهمها أنه سيشتبك معها فتضطر إلى ترك أماكنها إما بالإنسحاب وإما بالتقدم لملاقاته ، لما لم يحدث شئ من ذلك ، وبقيت سفن العدو حيث كانت ، توقف "أوكتافيانوس" وعندما إنتصف النهار والعدو لا يزال أشد ما يكون يقظة وإستعداد فكر فى وسيلة تمكنه من الإفلات مع أكبر قدر من الأسطول ، ولذلك أمر جناحه الأيسر للتقدم للأشتباك مع جناح "أوكتافيوس" الأيمن وبذلك يخلوا الطريق جنوبا لباقى الأسطول ، ولذلك أمر "أكتافيانوس" الجناح الأيمن بالتقهقر ليسحب العدو مسافة أبعد عن الشاطئ والمضيق ثم يطوقه ، وعلى حين فجأة أصدر أمره إلى جناحيه فتقدما بحركة إتخذت خطوطه بها شكل الهلال ، أملا فى أن يستطيع على هذا النحو تطويق العدو أو إحداث أضطرابات فى صفوفه فيختل نظامها ، وإيزاء ذلك يبدوا أن "أنطونيوس" مد خطوط جناحيه الأيمن ليحبط حركة التطويق ، وإضطر إلى الإشتباك مع خصمه رغما عنه ، وإستمر القتال مدة طويلة .
أما بالنسبة "لكليوباترا" فقد قررت فجأة الهرب وأعطت الإشارة إلى رعاياها أن يتبعوها ، وعندما فرت السفن ظن "أنطونيوس" أن السفن فرت هاربة ، لا بأمر "كليوباترا" وإنما بدافع من الخوف لإعتقادها بأنها هزمت ، ولذلك تبعها هو بنفسه ، وقد لحق "أنطونيوس" إلى "كليوباترا" وإنتقل إلى سفينة قيادتها ، وأرسل "أوكتافيانوس" بعض سفنه لمطاردتها ولكن دون جدوى .
ويحدثنا "بلوتارخ" بأن أسطول "أنطونيوس" قاوم "أكتافيانوس" مدة طويلة ، ولم يكف عن القتال إلا الغروب بعد أن سبب له هياج البحر عطبا شديدا لكنه لم يقتل من رجاله أكثر من 5000 رجل ، وقد كان جيش الفريقين محتشدا على شاطئ البحر يشاهدان سير المعركة دون حراك ، وما كاد القتال ينتهى حتى طلب "أوكتافيانوس" إلى جيش خصمه أن يلقى السلاح ، وقد دامت المفاوضات على شروط التسليم سبعة أيام ، وساعد على نجاحها فرار "قانيديوس" إلى "مصر" وقد أدمج "أكتافيانوس" جنود "أنطونيوس" فى فرقه ، وبعد ذلك أعاد إلى "روما" كبار المحاربين فى الجيش دون إعطائهم شيئا ، ووزع باقى الجيش فى أماكن تفاديا لوقوع فتنة بينهم ، وأرسل أجريبا ليساعد "ميقناس" فى وضع الأمور فى محلها فى "روما" وذهب "أوكتافيانوس" نفسه إلى "أثينا" ثم "ساموس" لكن الجنود القدماء الذين أرسلوا إلى "روما" شعروا بأنهم حرموا أسلاب "مصر" فتذمروا تذمرا شديدا إلى حد أن "أجريب"ا أرسل فى ( يناير عام 30 ق.م ) يطلب من "أوكتافيانوس" بأن يعود إلى "روما" وإستطاع "أكتافيانوس" أن يسترضى الجنود بتوزيع الهبات والأراضى بينهم ، ووعد بنصيب من كنوز "البطالمة" ، ثم عاد إلى "أسيا" مدركا أنه على هذه الكنوز يتوقف مستقبله وكذلك حياته .
وإذا كانت نكبة "أكتيوم" قد حطمت "أنطونيوس" فإنها لم تحتم "كليوباترا" التى دخلت "الإسكندرية" مرفوعة الرأس وقد زينت سفنها بالأكاليل لكى توهم الناس بأنها إنتصرت وفى الحال تخلصت من كل الذين كانت تخشى أن يشعلوا لهيب الثورة عندما تتسرب الأخبار الصحيحة وأما "أنطونيوس" فإنه ذهب إلى "قورنيائية" حيث كان قد ترك أربع فرق لتراقب قوات "أوكتافيانوس" فى شمال "إفريقيا" ولكن هذه القوات رفضت الإذعان له ، وإنضمت إلى "جالوس" قائد "أوكتافيانوس" فعاد "أنطونيوس" إلى "الإسكندرية" ، وهناك كانت "كليوباترا" تفكر فى طريقة للخلاص ، فقد فكرت فى الإنسحاب إلى "أسبانيا" والإستيلاء على مناجم الفضة هناك وتكوين قوات لمحاربة "أوكتافيانوس" ولكنها عدلت عن ذلك ولكنها فكرت فى تكوين دولة جديدة على الشواطئ "الهندية" ، ولذا قررت نقل أسطولها برا من البحر المتوسط ولكنها إضطرت للعدول عن هذه الفكرة عندما إنتهز أمير "النبط" هذه الفرصة للثأر من "كليوباترا" وأحرق السفن التى نقلتها .
وفى تلك الأثناء أصاب "أنطونيوس" حالة من اليأس ، وإنزوى فى منزل قريب من البحر ، ولذلك قررت "كليوباترا" بأن تخرجه من هذه الحالة بإقامة الحفلات والمأدب وقد عاد "أنطونيوس" إلى قصر "كليوباترا" وإستأنفا حياتهما ، ولم يحاول "أنطونيوس" أن يجمع ما تبقى له من فرق ، وأن يدافع عن خط النيل الحصين ، وكان يعرف أن الفرق سوف تبادر بالإنضمام إلى "أوكتافيانوس" كما فعلت فى "أكتيوم" وفى "قورنيائية" و"سوريا" .
ويبدوا أن كل القصص التى تدور على غدر "كليوباترا" "بأنطونيوس" قصص ملفقة ، وذلك وفقا للقرار التى إتخذته أرسلت إلى "أوكتافيانوس" أن تنزع سلاحها وتنزل عن عرشها ، ولكنه أكد لها سرا أنها إن قتلت "أنطونيوس" أو طردته أنه سيعفوا عنها ، ولا يمس مملكتها بسوء وقد عرض "أنطونيوس" على "أوكتافيانوس" أن يقضى على حياته إذا كان ذلك ينقظ "كليوباترا" ، ولكن "أوكتافيانوس" أهمل ذلك العرض .
وفى ( صيف عام 30 ق.م ) ، عندما إحتل "جالوس" "باراتتونيون" زحف "أنطونيوس" ضده أملا فى إستعادة فرقه بالتفاهم أو بالقوة ، لكنه عجز عن الإتصال بجنوده وفشل فى هجومين ضد "جالوس" وكان إحداهما بريا والأخر بحريا ، وعندما علم بأن "أوكتفيانوس" إستولى على "بيلوزيوم" عاد إلى "الإسكندرية".
20 - إنتحار أنطونيوس : -
وفى ( 31 من يوليه ) ، وصلت طلائع فرسان "أوكتافيانوس" إلى ضواحى "الإسكندرية" ، بالقرب من مضمار سباق الخيل ، فقرر "أنطونيوس" ألا يموت دون خوض معركة واحدة ، ولذلك أنه إنقضى على هؤلاء الفرسان وبدد شملهم ، وفى اليوم التالى حشد قواته ، لكن الفرسان والسفن إنضموا إلى "أوكتافيانوس" ، وفى حين أن المشاة بدد شملهم فعاد "أنطونيوس" إلى القصر ، ويحدثنا "بلوتارخ" بأن "أنطونيوس" هاله ما حدث وعزاه إلى غدر "كليوباترا" التى خشيت غضبه وإلتجأت إلى مقبرتها ومعها مصففة الشعر "إيراس" وخادمة مخدعها "خارميون" وأحكمت إغلاقها وأبلغت "أنطونيوس" أنها قضت على نفسها ، ولما كان "أنطونيوس" لم يبق على حياته حتى ذلك الوقت إلا من أجل "كليوباترا" ، فإنه لم يعد هناك مضى لبقاء حياته ، ولذلك أعطى سيفه إلى عبد الأمين "أروس" وطلب منه أن يطعنه به ، لكن "أروس" بدلا من ذلك طعن نفسه وخر صريعا عند قدمى سيده ، فأخذ "أنطونيوس" السيف وبتر بطنه ، غير أنه لم يمت فى الحال ، وبينما كان فى سكرات الموت ، جائته رسالة من "كليوباترا" ليوافيها فى المقبرة ، فألتمس إلى أن ينقل إليها ، وقد نقل فعلا إلى مقبرتها ، حيث شقت ملابسها وندبت وبكت عليه بكائا شديدا وتوفى بين أحضانها كما كان يشتهى ، وقبل أن يلفظ النفس الأخير أوصاها بأن تلتمس النجاة لنفسها إذا أمكنها ذلك دون أن يلحقها أن عار ، وبأن "بوروكوليوس" خير من يمكنها أن تثق فيه من بين كل رفاق "أوكتفيانوس".
21 - دخول أكتافيانوس الإسكندرية : -
فى اليوم نفسه وكان اول الشهر الذى سمى فيما بعد "أغسطس" تخليدا لذكرى "أوكتافيانوس" ، دخل "أوكتافيانوس" "الإسكندرية" دون أى مقاومة ، وفى الحال أصدر أمرا إلى "يروقوليوس" بأن يأخذ "كليوباترا" على قيد الحياة ، فقد كان يريد الحصول على كنوزها وكذلك على شخصها ليزدان به مهرجان إنتصاره ، وعندما ذهب "يروقوليوس" لمقابلتها ، حرصت على ألا تخاطبه إلا من خلف باب المقبرة ، وأصرت على ألا تسلم نفسها إلا بعد إعطاء عرشها إلى أحد أبنائها ، وإذا كان هذا اللقاء لم يسفر عن أى تفاهم ، فأنه أسفر عن أمر هام إذ أنه لاحظ "يروقوليوس" أنه توجد نافذه فى إحدى غرف المقبرة فى الدور العلوى ، ويبدو أن "يروقوليوس" أوهم "كليوباترا" بأنه سوف يذهب ليعرض الأمر على "أوكتافيانوس" ويعود ليوافيها برأيه ، ولكن "يروقوليوس" ذهب لتدبير وسيلة للإستيلاء عليها ، وذلك بأنه عاد إلى المقبرة ومعه أخرون وأبرزهم "جالوس" وحين شغلها الأخر بالحديث خلال الباب ن تسلق "يروقوليوس" وأخرون سلما ودخلوا من النافذة ، فحاولت "كليوباترا" طعن نفسها ، ولكنها منعت من ذلك ونزع سلاحها ونقلت هى وكنوزها إلى القصر ، فتنفس "أوكتافيانوس" الصعداء أخيرا .
وقد سمح "أكتافيانوس" "لكليوباترا" بدفن "أنطونيوس" ، وعفى عن "الإسكندرية" ( إحتراما للإسكند الأكبر ) ومرعاة لجمال المدينة ، وإرضاء لصديقه الفيلسوف "أريوس" ، لكنه أعدم "أنثولوس" إبن "أنطونيوس" ، وكذلك "قيصرون" ، وكانت أمه حاولت إرساله إلى البحار "الهندية" ليكون فى أمان لكنه أصغى بسذاجة إلى نصائح مربيه الغادر ، وعاد إلى "الإسكندرية" ليلقى حتفه.
22 - إنتحار كليوباترا : -
وقد حاولت "كليوباترا" الإنتحار مرة ثانية بالإمناع عن الأكل ، لكن "أوكتافيانوس" نجح لوسيلة تحملها إلى العدول عن ذلك وهى تهددها بقتل أولدها ، وتنهض رغبة "أوكتافيانوس" فى الإستيلاء على "كليوباترا" وهى على قيد الحياة وكذلك حرصه على حياتها بعد ذلك دليلا على صدق ما تذكره المصادر القديمة من أنه كان ينبغى نقلها إلى "روما" ليعرضها فى مهرجان إنتصاره .
ويؤيد ذلك أن "أوكتافيانوس" وقد حرمته "كليوباترا" فرصة تحقيق رغبتها بإنتحارها ، عرض كلا من تمثاليها وإبنيها "إسكندر هيليوس" و"كليوباترا سيلينى" فى مهرجان إنتصاره على "مصر" .
عندما تأكدت "كليوباترا" من أن "أوكتافيانوس" لن يقيم أحد من أبنائها على عرشها وأنه سيقدمها على الإحتفال بها فى "روما" ، تظاهرت بالإستسلام إلى الواقع لكن يتحين لها الإنتحار للمرة الثالثة ونجاح خطتها ، وصممت "كليوباترا" على حرمانه من هذا الفخر وعلى النجاة من هذا الهوان ، وكان لا يوجد طريقة إلا الإنتحار ، فتظاهرت بالإستسلام لمصيرها حتى تخف الرقابة عليها فتضمن النجاة فى محاولتها الثالثة ، وقد لفق الكثير حول الطريقة التى إتبعتها ، لكنه لم يعد اليوم شك فى جوهرها بعد الجدل الذى إحتدم طويلا بين الباحثين حول هذه الوسيلة ، وكانت الخطوة الثانية التى إتخذتها "كليوباترا" لتنفيذ خطتها عى الإستأذان فى تقديم القرابين على مقبرة "أنطونيوس" ، وهناك تضرعت إلى "الألهة" أن يجتمعا فى موتها كما إجتمعا فى حياتها .
وقد إنتهز أحد أتباعه هذه الفرصة وإتفق مع فلاح على إحضار "صل" إلى القصر ، فقد عقدت "كليوباترا" أمالها فى النجاة من الذل والهوان على ذلك الزاحف المقدس الذى كان المصريين يعتبرونه خادم "إله الشمس" ويضعونه رافع الرأس فى تاج رئوس مصر ليحمى سلالة "رع" من كل سوء ، وعندما أحضر الرجل إلى القصر سلة من التين بها الصل المطلوب ، كتبت "كليوباترا" إلى "أوكتافيانوس" تلتمس منه أن يدفنها إلى جانب "أنطونيوس" ، وما أن خلت بنفسها حتى إرتدت سيابها الملكية ووضعت "الصل" على ذراعها فلدغها لدغة قاتلة ( فيما بين اليومين التاسع والعاشر من شهر أغسطس عام 30 ق.م ) وهكذا أنقذت إبنة "رع" نفسها من ان يلحق أعدائها العار بها ، ولم تشأ خادماتها الوفيتان أن تعيشا بعد سيدتهم .
ومهما تكن أخطاء "كليوباترا" وجرائمها ، وهما تختلف أسلحتها عن أسلحة الرجال ، فإنها كانت ملكة طموحة شجاعة وأبية ووفية ، ولم تثر فى" روما" العظيمة شعور الكراهية فحسب ، بل كذلك شعور الخوف منها .
ولا أدل على ما أثارته "كليوباترا" من هلع وخوف فى نفوس "الرومان" مما أثبته "أغسطس" فى الوسائق الرسمية أنه يوم دخول "الإسكندريةط أنقذ روما من أشد المخاطر هولا ، ومن أن "السناتو" إعتبار ذلك اليوم عيدا وطنيا وبداية للتقويم المحلى .
23 - المراجع : -
1 - تاريخ مصر "اليونانية" "الرومانية" ، د / "منى محمد جاب الله".
2 – تاريخ "مصر" فى عصر "البطالمة" ، الجزء الأول ، د / "إبراهيم نصحى".
2 - "مصر" من "الإسكندر" الأكبر إلى الفتح "العربى" ، د / "مصطفى العبادى".
4 - دراسات فى تاريخ وحضارة "البطالمة" ، د / "عاصم أحمد حسين".
5 - بحث "جوجل" ، "ويكبيديا" الموسوعة الحرة.
6 - بحث "جوجل" الخاص بالصور ، صور "كليوباترا" السابعة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق