1 - الملك سيتى الأول - من ماعت رع - مرى إن بتاح : -
كان "سيتى الأول" بن "رعمسيس الأول" يدعى "سيتى مرنبتاح" على الأثار ، وكانت أمه تدعى الملكة "ساترع" ولم يكن "سيتى" بطبيعة الحال من دم ملكى مثل والده التى تدل الأثار حتى الأن أنه لم ينجب غيره ، وتدل الأحوال على أن والده قد أنجبه وهو فى ريعان الشباب ومقتبل العمر ، وتاريخ حياته يشعرنا بأنه كان قد ترسم خط والده فى مجال حياته ، فقد إنخرت فى سلك الجندية وبلغ فيها درجة عالية ، كما تحدثنا بذلك لوحة "أربعمائة السنة" ، ومنها نعلم أنه قد حاز "الألقاب" التالية (("الأمير الوراثى" ، "عمدة المدينة" ، "حامل المروحة" على يمين "الفرعون" ، و"رئيس الرماة" ، و"المشرف على البلاد الأجنبية" ، و"المشرف على حصن ثارو" "تل أبو صيفة الحالى" ، و"رئيس "المازوى" "الشرطة فى الصحراء" و"الكاتب الملكى" ، و"المشرف على الخيالة" ، و"مدير عيد "كبش منديس" " تل الرابع الحالى" ، و"الكاهن الأول للإله "ست" ، و"الكاهن المرتل للإله بوتو" ، و"المشرف على كل كهنة الإله "سيتى" المرحوم")) ، ولا نزاع فى أن لقب "الكاهن الأول للإله ست" يعد برهانا على أن "الأسرة التاسعة عشر" المالكة لعرش "الفراعنة" كان موطنها "مقاطعة ستوريت" من أعمال "الدلتا" ، ولما كان "الإله ست" لا ينظر إليه بعين الرضا فى "مصر" كلها لم يحاول "ستى الأول" أن يجبر رعاياه على عبادة "إلهه" المحلى ، ومن أجل ذلك إختار "الإله بتاح" من بين "الألهة الشمالية" وضمه بإسمه فأصبح يدعى "سيتى مرنبتاح" أى "سيتى محبوب بتاح" أما إسم هذا "الملك" العلم المركب من لفظه "ست" وياء النسب "سيتى" ومعناه المنسوب "للإله ست" "إله الشر" فقد غيره فى كثير من الأحيان وبخاصة فى "العرابة المدفونة" إلى إسم "أوزيرى" ورسمه بكلمة تدل على "أوزير" وبعلامة ؟ تنطق "ثث" بدلا من صورة الإله "ست" ، غير أن "سيتى" لم يقم بأى تغيير رسمى فى كتابة إسمه كما فعل "إخناتون" بل إكتفى برسم إسمه بإحدى الطريقتين السابقتين على حسب ما تتطلبه الأحوال وحسن الذوق ، وخاصة أنه لا يستحب تصوير "الإله ست" على أثار مهدأة "للإله أوزير".
كان "سيتى الأول" عند موت أبيه فى منتصف الحلقة "الخامسة" من عمره ، وكان له من خبرته وتجاربه ومن ذكائه الفطرى ما أهله للقيام بالدور العظيم الذى كان مقدر له أن يقوم به ، فقد قضى سنوات شبابه وهو يعمل "ضابطا" فى "الجيش" وبخاصة على حدود "مصر" الشرقية فى "حصن ثارو" ، كما تقلد وظائف عدة وكان "قائد الفرسان" ، كما أوكل إليه "حور محب" بعض الوظائف الكبيرة فى "الدولة" ، ولا شك أنه تتبع كل إصلاحات "حور محب" وكان من منفذيها كما كان ساعد والده الأيمن خلال العامين اللذين جلسهما على العرش ، فلما آل إليه "الملك" وجد أن خير ما يفعله هو أن يسير على نمط أبيه ونمط "حور محب" ، وكان له من نشاطه وخبرته ما يجعله يبدأ عصر جديد فى تاريخ "البلاد" فسمى أولى سنوات جلوسه على العرش أنه بدأ عصر "البعث" ، وهم "مسوت" وترجمتها الحرفية "تكرار الولادة" ، ولم يكد يجلس على العرش وتنتهى حفلات التتويج حتى أصدر أوامره بإتمام ما لم يتمه أبوه من مبانى ، كما أصدر أمره أيضا بإصلاح ما لم تتسع أيام "حور محب" لإصلاحه مما تسبب عن ثورة "إخناتون" الدينية من تخريب فى "المعابد" ولكنه فوجئ بقيام ثورة وراء الحدود الشرقية فاسرع لإخمادها وترك لنا أخبار إنتصاراته على جدران "معبد الكرنك" ، ورسم لنا فيها "الحصون" التى أعادها إلى حظيرة الطاعة بعد أن هزم "بدو سيناء" وجنوبى "فلسطين" "الشاسو" وهى "الحصون" التى كانت تمتد من "القنطرة" حتى "رفح" ، وأراد "ستى" أن يعيد "لمصر" مجدها القديم فتقدم مع جيشه فى "فلسطين" ، وعلم أن السكان الذين شقوا عصا الطاعة بمؤازرة وتعضيد مملكته "خيتا" تجمعوا فى "بيسان" وإن بعض منهم تجمعوا فى بلدة تسمى "حماة" (وهى غير مدينة حماة السورية) والبعض الأخر فى بلدة "ينعم" ، فلم يمكن "سيتى الأول" أعدائه من التجمع سويا فى مكان واحد بل أرسل إلى كل من هؤلاء فرقة من فرق جيشه قضت عليهم بسهولة ، وتم النصر ودانت له "فلسطين" و"فينيقيا" والجزء الجنوبى من "سورية" وبخاصة "البقاع" ومدينة "قادش" ، وكان "سيتى الأول" يريد متابعة إنتصاراته ليؤدب الثائرين الأخرين ويقابل جيوش "خيتا" ولكن أنباء ثورة أخرى على حدود مصر الغربية إضطرته للعودة مكتفيا بما ناله من غنائم وإنتصارات
وفى العام الثانى قام بحملة على الحدود الغربية التى بدأت منذ عصر "ستى الأول" تكون ذات خطر حقيقى على "مصر" ، لأنه فى ( أوائل القرن 14 ق.م ) ظهرت هجرات آرية خرجت من موطنها المجهولة وتسللت الى الحوض الشرقى للبحر المتوسط وعملوا جنودا مرتزقة لمن يدفع لهم أكثر وجأت بعض هجرتهم إلى الشواطئ الجنوبية للبحر فى أواخر القرن نفسه ووجدوا صعوبة فى النزول على "الشواطئ المصرية" مباشرة فأتجهوا غربا ونزلوا على "الشواطئ الليبية" وأصبحت تشكل خطر على الحدود الغربية لمصر وحاولت التسلل لمصر بحثا عن أماكن إستقرار لها على أرض "مصر" الخصبة ، وقد نجح "ستى الأول" فى محاصرة هولاء المتسللين وأن يوقفهم دون أية مقاومة وللأسف لم يقض عليهم قضاءا تاما وسوف يسبب هذا الخطأ متاعب لخلفائه .
أما الحملة الثالثة على "سوريا" وصل فيها إلى وادى "نهر العاصى" كما تقص لنا نقوش "معبد الكرنك" وقامت معركة فى "قادش" أيضا ضد "الحيثيين" لإسترجاع "شمال سوريا" ويبدوا أن "الحيثيين" قد تراجعوا .
والحملة الرابعة عاد فيها "سيتى الأول" إلى "أسيا" وتلاقى الجيشين فى شمال "قادش" وكان هذا أول لقاء وجها لوجه بين "المصريين" و"الحيثيين" وبعد هذه المعركة أدرك الخصمين أن كل منهما لا يستطيع القضاء على الأخر ، وربما وقع "سيتى الأول" مع "موتللى" "ملك الحيثيين" معاهدة تعتبر أول معاهدة سلام فى العالم ولكن للأسف لم تصلنا نصوص هذه المعاهدة ومن ثم عاد كل منهما إلى وطنه يتغنى بأناشيد النصر .
وفى مدينة "ساى" بين "الشلال التانى والثالث" على لوحة تفيد أنه عندما كان "الملك" فى "طيبة" جاء من سخبره أن فى بلاد "النوبة" من يريد التمرد وخشى "الملك" أن يؤثر ذلك على الحدود الجنوبية فخرج إلى المتمردين وقضى عليهم ولم يبقى منهم أحد
وقد أستفاد من المحارب القديم "تحوتمس الثالث" فى إدارة شئون "الإمبراطورية" فتولى أمر ولايات "الشام" أمراء محليون ولكن شاركهم حاميات "مصرية" وقام بالتنسيق بين هذه الإمارات والبلاط الملكى رسل ملكيون كما تولى الإدارة فى بلاد "النوبة" أمراء محليون ولكن يتبعون أمير "كوش" "المصرى" ونوابه .
وقد أهتم بإستغلال مناجم الذهب فى الصحراء الشرقية وصور أحد مهندسيه خريطة على "بردى" لبعض مناجم "وادى الحمامات" لاسيما مناجم "أم الفواخير" حدد فيها مواقعها والطرق المؤدية إليها والطريق منها إلى "البحر الأحمر" ، وموقع معبدها المحلى وعرف بعض معالم المنطقة بأسماء مختصرة كان من أهمها إختصار إسم "البحر الأحمر" إلى "اليم" وهو الإسم الذى عبر عنه "القرآن الكريم" عن "البحر والنهر" وتعتبر هذه الخريطة أول خريطة عرفت من العالم القديم.
صدر مرسوما الهدف منه حماية الممتلكات الدينية فى "أبيدوس" من إستغلال موظفى الدولة وهو أن دل على شئ يدل على ضعف النظام بين موظفى الحكومة فى هذه الفترة وشدد العقوبات على الإستغلاليين والمفسدين فجعل عقاب الموظف الذى ينقل بعض الممتلكات بدون وجه حق هو قطع الأنف والأذنين ومن يسلب راعيا يعاقب بالضرب مائتى عصا .....إلخ .
وقد إشترك فى إقامة بهو "الأساطين العظيم" فى "الكرنك" الذى تبلغ مساحته 5400 متر مربع وفيه 134 أسطونا فى 16 صفا ، على أن الصفين الرأيسيين اللذين يتوسطان هذا "البهو الضخم" شكلت رؤس تيجانها على هيئة "زهرة بردى" يانعة ويبلغ أرتفاع الأسطون 21 متر ونجد أن هذا "البهو" وسقفه وما به من "أساطين" كلها مزينة بالنقوش والمناظر ، والنصف الشمالى من هذا البهو ينتمى إلى "سيتى الأول" والنصف الجنوبى ينتمى للملك "رمسيس الثانى" على أن أغلب المناظر الموجودة هناك تمثل الملك فى علاقاته المختلفة مع "الألهة والألهات" .
كما شيد معبد فى المدينة المقدسة أبيدوس وأطلق عليه (بيت ملايين السنين) وهو من مفاخر العمارة المصرية إذ تزين جدرانه نقوش دقيقة ومناظر جميلة تتميز بتفاصيلها وجمال ألوانها وتمثل الطقوس المختلفة التى يقوم بها الملك مع الألهة والألهات كما يتميز هذا المعبد بوجود سبع مقاصير للألهة وألهات مصر خصصت واحدة منهم للملك نفسه بإعتباره إله.
مات سيتى الأول بعد أن حكم ( 14 عام ) ودفن فى وادى الملوك ، والتى تعتبر من أفخم المقابر الملكية ، إذ يزيد طولها على 100 متر داخل صخر الجبل ، وهى مزينة بالمناظر والنصوص الدينية والفلكية ، وشيد معبد لتخليد ذكراه فى القرنة فى البر الغربى لطيبة.
2 - المراجع : -
1 - د / "سليم حسن" ، "مصر القديمة" ، "الجزء السادس" ، "القاهرة" 1994
2 - د / "أحمد فخرى" ، "مصر الفرعونية" ، "القاهرة" 1961.
3 - د / "أبو العيون عبد العزيز بركات" ، "معالم تاريخ مصر القديمة" منذ بداية عصر "الدولة الحديثة" وحتى مجئ "الإسكندر" ، "كلية الأداب جامعة الإسكندرية".
4 - د / "سمير أديب" ، "موسوعة الحضارة المصرية القديمة" ، "القاهرة" 2000.
5 - د / "سيد توفيق" ، "تاريخ العمارة فى مصر الأقصر" ، "القاهرة" 1990.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق